مراكش- تشير الساعة إلى الثانية زوالا، الجو خريفي معتدل، والحركة دائبة بالسياح والزوار وأهل المدينة عند مدخل سوق السمارين بالمدينة الحمراء.

بيع وشراء هنا وحديث جانبي بين تاجرين هناك، تقطعه دعابة، فيما يقدم “الكراب” (بائع الماء) بلباسه المزركش وناقوسه الجميل خدمته لمن يطلبها.

لا يتعلق الأمر فقط بهذا السوق -وهو أقدم وأشهر أسواق مدينة مراكش- فالحركة طبيعية في المدينة، يلاحظها من يقوم بجولة عبر الشوارع الفسيحة بالأحياء الجديدة أو في الدروب الضيقة للمدينة القديمة.. في الأسواق الكبيرة كما في تجمعات المهنيين والصناع التقليديين، في الفنادق المصنفة وغير المصنفة أيضا.

يعتبر رئيس جمعية البهجة للتجار محمد أيت مطاع للجزيرة نت أن هذه الحركة تزيد مع اقتراب وقت المساء والليل، مشيرا إلى أن المدينة تعرف بنشاط تجاري متميز توقف في اليوم التالي للزلزال بسبب الصدمة وهو أمر طبيعي، لكنه استأنف صعوده الذي بدأه منذ انتهاء أزمة كورونا إلى اليوم.

جاذبية عالمية

من يتابع هذه الحركية في المدينة، وامتلاء أسواقها، يتساءل عن سر سرعة تعافيها، بالرغم من أن الزلزال المدمر وصل صداه إليها ودمر عددا من مبانيها.

يشرح المحلل الاقتصادي عبد النبي أبو العرب أن مدينة مراكش وجهة سياحية، تستفيد من صيتها العالمي القوي، وجاذبيتها الكبيرة، وغناها الثقافي والعمراني والفني والتراثي.

ويضيف في حديث للجزيرة نت: هي من بين أفضل الوجهات السياحية بالعالم، كما تشير إلى ذلك تقارير متعددة، وكل ذلك يشكل أهم دعامة لمواجهة آثار الزلزال.

وتحتل مدينة مراكش المرتبة الأولى في المغرب بخصوص مؤشرات الجاذبية ومناخ الأعمال، والرقمنة والضرائب، وفق المتحدث ذاته.

ويؤكد أبو العرب أنه لم يتم إلغاء أي مؤتمر دولي تحتضنه المدينة، حيث انعقدت بشكل عادي القمة العالمية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته بمشاركة قوية لوفود عالمية، كما حافظ الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي على موعده المعتاد، وتجري بشأنه إصلاحات كبرى بشوارع المدينة لم تتوقف.

آثار الزلزال محصورة في مناطق جبلية

يبرز المحلل الاقتصادي أبو العرب أن آثار الزلزال، لم تصل إلى حواضر كبرى أخرى، وانحصر في مناطق جبلية، مشيرا إلى أن عدم تأثر شبكات الطرق الكبرى وحركة المطار الدؤوبة واستمرار تنفيذ المشاريع الكبرى، ساعد على هذا التعافي السريع للمدينة.

وضرب المغرب زلزال عنيف ليل الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، وأسفر عن 2946 وفاة و6125 إصابة، إضافة إلى دمار مادي كبير.

وتُعد مراكش ثالث أكبر مدن المغرب من ناحية عدد السكان، حيث يفوق عدد سكانها مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2023 يعمل أغلبهم في قطاع الخدمات والصناعة الحديثة والتقليدية والأعمال الحرة والوظائف العمومية.

تحرك الدولة

بدوره، يرى المحلل الاقتصادي محمد جديري أن الحركة الاقتصادية والتجارية بمدينة مراكش استمرت على حالها، بعد الإشارات التي أرسلها المغرب للعالم.

ويقول للجزيرة نت إن المغرب سارع، بشكل ذكي، إلى طمأنة الجميع، من خلال إظهار الأمان الذي تعرفه المدينة وضواحيها، وبإعلانه القدرة على السيطرة على الآثار السلبية لهذا الزلزال، في حين لم يقبل مساعدات إغاثة سوى من دول صديقة وشقيقة حسب احتياجاته، علاوة على أن ما بذله الشعب المغربي، وصل صداه إلى العالم، وكان محل إشادة دولية.

وقبلت المملكة مساعدات الإنقاذ من 4 دول هي قطر والإمارات وبريطانيا وإسبانيا، فيما كانت قد تلقت العديد من طلبات مساعدات الإنقاذ، ورسائل الدعم والمساندة.

وكانت زيارة الملك محمد السادس لمدينة مراكش بعد الزلزال بأيام قليلة وتبرعه بالدم للضحايا، الأثر الكبير على الصورة الإيجابية التي تميزها في العالم، كما يبرز امبارك حنديش رئيس جمعية حرفية بساحة جامع الفنا.

ويضيف للجزيرة نت: “يُعرف عن الحرفيين في المدينة حبهم للعمل، والإبداع فيه، وزيارة الملك كانت بمثابة حافز للجميع للتشمير عن سواعدهم والاستمرار في عملهم وإبداعاتهم”.

حديث جانبي- مراكش بعد الزلزال

حب المدينة

حسب تصريحات سابقة للجزيرة نت، فضل عدد من السياح عدم مغادرة المدينة، معبرين عن حبهم لهذه المدينة الجميلة، وعدم نيتهم تغيير وجهتهم السياحية.

ويشير المحلل الاقتصادي أبو العرب إلى أن المدينة “ذهلت ليلة الزلزال، لكن في اليوم الموالي عادت إلى الحياة بشكل شبه عادي، واستمرت المحلات التجارية والفنادق في عملها بشكل عادي، فيما فضل السياح البقاء حبا في هذه المدينة المحبوبة، وهو ما منح مراكش قدرة على الاستمرار في النشاطين السياحي والتجاري”.

ويضيف المتحدث ذاته أن تعاطف العالم مع المغرب عموما والمدينة خاصة، وتحديدا المشاهير والفنانين والسياسيين والمستثمرين أسهم في دعم مراكش وضمان استمرار نشاطاتها.

مراكش في أرقام

تمثل مدينة مراكش وحدها، -حسب نشرة رسمية اطلعت عليها الجزيرة نت- 11.4% من إجمالي حجم معاملات القطاع الحرفي، و8.9% من سوق العمل لتحتل بذلك المركز الثالث بعد مدينتي الدار البيضاء وفاس.

وتعرف مراكش بشكل رئيسي بالمباني التقليدية والملابس والخشب.

وتحتل المدينة الحمراء المركز الثاني بعد مدينة الدار البيضاء بخصوص صادرات المنتجات التقليدية، بحصة بلغت 38.9% مقابل 41.5% للعاصمة الاقتصادية للمملكة.

وتستأثر 3 مهن تقليدية بنصف صادرات المدينة، وهي الفخار (20%) والسلع الجلدية والحديد المطوع (15% لكل منهما).

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version