تشكل الصناعة الحصة الكبرى في الاقتصاد الألماني مقارنة بدول كثيرة أخرى، ويستهلك القطاع في أغلب أجزائه الطاقة بكثافة، وذلك يعني أن الشركات الألمانية تضررت بشكل كبير من ارتفاع أسعار الطاقة التي سجلت العام الماضي أعلى مستويات في أوروبا.

وبسبب أسعار الكهرباء الباهظة، بدأ المزيد من الشركات الألمانية الانتقال إلى الولايات المتحدة، أما الصناعات الكثيفة الطاقة مثل المعادن والورق والسيراميك والزجاج فهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وقد تختفي تماما كصناعة في ألمانيا.

وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أنهت ألمانيا اعتمادها على الغاز الروسي، حيث أعلن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في مارس/آذار 2022 أن بلاده قطعت علاقاتها مع روسيا في مجال الطاقة بسرعة، وتعهد بشكل جدي بالتخلي عن الغاز الروسي تماما بحلول عام 2024.

في المقابل -حسب موقع “بارا أناليز” التركي- اتضح أن الغاز الطبيعي المسال القادم من الولايات المتحدة أغلى بكثير من روسيا، وقد أدت أسعار الوقود المتزايدة إلى ارتفاع حاد في أسعار الكهرباء، بينما إنتاج توربينات الرياح والخلايا الشمسية الأخرى ضئيل.

كيف تأثر الاقتصاد الألماني بالحرب الروسية على أوكرانيا؟

السماد بدلا من الغاز

لكن يبدو أن ألمانيا استبدلت بالغاز السماد الروسي، وبينما كانت تستورد في السابق 5% من الأسمدة المطلوبة من روسيا، ارتفعت هذه النسبة الآن إلى ما يقارب 20%، بحسب الموقع ذاته.

وزادت مشتريات برلين من الأسمدة الروسية بنسبة 334% بعد التخلي عن الغاز، ولكن بشروط أسوأ، بالنظر إلى حقيقة أن تكلفة إنتاج الأسمدة تتراوح بين نسبة 80% و90% قياسا إلى الغاز والطاقة.

ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، ستكون ألمانيا هذا العام الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي لن ينمو اقتصادها بل سينكمش، حيث حطمت أسعار المستهلك الأرقام القياسية (6.2% فقط في أغسطس/آب)، بينما انخفض الإنتاج الصناعي بسرعة، وارتفع التضخم والقروض العامة، ونزل نشاط الأعمال إلى أدنى مستوياته في السنوات الثلاث الماضية.

تضرر الاقتصاد الألماني

وحذرت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ذات مرة قائلة إن التعاون الاقتصادي مع روسيا ضروري، وأكدت أن العقوبات ضد روسيا ستضر ببرلين أكثر من موسكو.

ويكرر سياسيون ألمان آخرون -بحسب الموقع التركي- موقف ميركل حيث قالت عضو البرلمان الألماني عن حزب اليسار، سيفيم داغديلين، لصحيفة “برلينر” إن هناك رأيا “مفاده أن معاقبة روسيا سيكون لها تأثير دائم، لكن الواقع كان مختلفا، فالاقتصاد الروسي يتعافى والعقوبات الغربية تضرب منفذيها”.

ولا تزال الشركات الألمانية الكبيرة ومتوسطة الحجم -التي تحيط بها القيود السياسية من جميع الجهات- تأمل بحذر عودة كل شيء إلى طبيعته، وفق الموقع التركي.

ونقل الموقع التركي عن رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية مارسيل فراتسشر قوله إن ارتفاع أسعار الطاقة “سيظل عيبا تنافسيا واضحا لألمانيا في العقود القادمة”، موضحا أن القادة السياسيين والشركات “سيحتاجون إلى تعويض هذه التكاليف من خلال زيادة الابتكار والإنتاجية”.

وكان يان هلدبراند نائب رئيس تحرير “هاندسبلات”، الصحيفة الاقتصادية الأولى بألمانيا، قال في حديث للجزيرة إن الضغوط على الاقتصاد الألماني ستكون كبيرة على المدى المتوسط، نظرا لاعتماده بشكل أساسي على الصناعة التي تحتاج لكميات كبيرة من الطاقة ولأسواق مفتوحة، في وقت تتجه فيه دول تعتبر أسواقا مهمة للبضائع الألمانية إلى الحمائية الاقتصادية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version