لعقود مضت، اقتصرت معظم أعمال الدراما الخليجية على تناول مشاكل اجتماعية ومواضيع محلية، فأنجبت نجوما كبارا من أمثال حياة الفهد وسعاد العبد الله وناصر القصبي وعبد الله السدحان وغانم السليطي، وحققت نجاحات لافتة خليجيا دون التوسع عربيا.

لكن السنوات الماضية شهدت نقلة نوعية في صناعة الدراما الخليجية، خاصة مع التغيرات الكبرى التي يشهدها قطاع الترفيه في السعودية، إذ أدت هذه التحولات إلى تطور ملحوظ في الأعمال التي باتت تنافس الإنتاجات العربية الأخرى.

فبالتزامن مع ارتفاع قيمة الاستثمار في قطاع الدراما، شهدت الأعمال الخليجية تطورًا ملحوظًا على مستوى النصوص، والمواهب الفنية الجديدة، فضلاً عن التنوع في الموضوعات والأساليب.

خارج الموسم الرمضاني.. نجاح بارز

بعض المسلسلات الخليجية التي عُرضت خارج الموسم الرمضاني مثل “البيت الملعون” و”متحف يدي” من الكويت، والمسلسل السعودي “فرسان قريح”، حققت شعبية تخطت حدود الخليج لتصل إلى بلدان عربية مثل مصر وسوريا والعراق.

واحدة من أبرز النجاحات كان مسلسل “البيت الملعون”، الذي يُعتبر أول مسلسل رعب خليجي حقيقي. كسر هذا العمل النمط التقليدي للدراما الخليجية، واستطاع أن يحصد نجاحًا كبيرًا بفضل قصته المثيرة وأداء فريق العمل المميز.

والعمل من بطولة هدى حسين وجاسم النبهان وباسم مغنية، نجح المسلسل في تقديم تجربة مختلفة تمامًا عما اعتاده الجمهور الخليجي، حيث تصدرت أحداثه قائمة المواضيع الأكثر تداولًا على منصات التواصل الاجتماعي.

كما يعزز من نجاح “البيت الملعون” كونه أول مسلسل رعب، مما جذب فئات جديدة من المشاهدين الذين يتوقون لرؤية تجارب جديدة ومختلفة في الدراما الخليجية.

أضف إلى ذلك التفاعل الإيجابي الكبير الذي حصل عليه العمل، حيث أثبتت قصته المترابطة وخلوها من المبالغات قدرتها على جذب انتباه المشاهدين بشكل كبير.

“فرسان قريح”.. خطوة جريئة نحو الرياضة

أما “فرسان قريح”، فيمكن اعتباره أول تجربة خليجية في مجال الدراما الرياضية. ويستعرض قصة تطوير نادٍ لكرة القدم في السعودية والصعوبات التي يواجهها رئيس النادي لتعزيز صفوف فريقه بقالب كوميدي.

واستطاع العمل أن يمزج بين الرياضة والكوميديا، مقدمًا قصة تأسيس فريق كرة قدم بطريقة مشوقة. ولعل ما يميز “فرسان قريح” هو اعتماده على جيل من المواهب الشابة مثل عبد العزيز الشهري ويوسف الدخيل.

وأعطى العمل لمسة من الحيوية والطاقة التي تلائم الجيل الجديد. وأخرج العمل المخرج السعودي عبد الله بامجبور الذي نال إشادات كبيرة من النقاد بفضل أسلوبه المميز في إدارة العمل.

الدراما الاجتماعية في الخليج.. تطور لافت

إلى جانب الأعمال الجديدة، شهدت الدراما الاجتماعية الخليجية تطورًا ملحوظًا هذا الموسم، حيث نجح مسلسل “فعل ماضي” في معالجة قضية حساسة وهي الابتزاز الذي تتعرض له بعض النساء.

سلط المسلسل الضوء على شخصية هند التي وجدت نفسها في مواجهة علاقة سابقة تهدد بكشف ماضيها. هذه القصة القوية لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور الخليجي، وجعلت العمل واحدًا من أكثر المسلسلات مشاهدة في هذا الموسم.

صورة من مسلسل فعل ماضي

وفي السياق نفسه، جاء مسلسل “متحف يدي” ليطرح قصة مشوقة عن الصراع الذي تواجهه النساء للحفاظ على إرثهن، وهو عمل مزج بين الإثارة والكوميديا.

تألق في بطولته فوز الشطي ويعقوب عبد الله، ولاقى العمل تفاعلاً كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث طالب الجمهور بتقديم جزء ثانٍ للعمل.

المنصات الرقمية والمواهب.. دور فاعل

ولم يكن التطور في الدراما الخليجية مقتصرًا على التلفزيون فقط، بل استفادت الصناعة من انتشار المنصات الرقمية التي قدمت أعمالاً درامية قصيرة ومتنوعة تتراوح بين 10 إلى 15 حلقة.

هذا الاتجاه جاء كجزء من التأثر بالدراما العالمية، وساهم في جعل الإنتاجات الخليجية أكثر تنافسية، وأقل في العيوب التي كانت تؤخذ عليها سابقًا، مثل التطويل والتكرار.

كما شهدت السنوات الأخيرة تقديم نصوص درامية أكثر جرأة، تناولت موضوعات مثل تمكين المرأة الخليجية والتحديات التي تواجه الشباب.

ومن أبرز الأسماء التي ساهمت في هذا التحول الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة بتقديمها أعمالا جريئة مثل “دفعة القاهرة” و”دكة العبيد”. كذلك المؤلفة مريم القلاف والكاتب مشاري العميري اللذان نجحا في تقديم مسلسلات تاريخية واجتماعية لاقت استحسانًا واسعًا.

التجديد لم يتوقف عند النصوص فقط، بل شمل أيضًا اكتشاف وتقديم مواهب جديدة في التمثيل، مثل مهند الحمدي ويعقوب الفرحان وميلا الزهراني. هؤلاء النجوم الشباب ساهموا في إضفاء حيوية جديدة على الدراما الخليجية، ليصبحوا واجهة مهمة للإنتاجات الخليجية التي تجد رواجًا داخل الخليج وخارجه.

لم يكن التحول الذي شهدته الدراما الخليجية منعزلاً عن السياق العربي العام، إذ استعانت الصناعة الخليجية بعدد من المخرجين والمنتجين من مختلف الدول العربية.

أبرز هؤلاء كان المخرج المصري محمد جمال العدل الذي أخرج مسلسل “أم هارون”، إلى جانب المخرج السوري المثنى صبح، والمخرج التونسي لسعد الوسلاتي.

يمكن القول إن الدراما الخليجية قد بدأت بالفعل تدخل عصرًا جديدًا مليئًا بالتجارب الجريئة والمتنوعة، بعيدًا عن العوامل التي حدّت من انتشارها سابقاً.

ومن الواضح أن هذه التحولات جاءت استجابة لاحتياجات الجمهور وتطلعاته، مدفوعة بالدعم المتزايد من المنصات الرقمية والتغيير الثقافي الذي تشهده المنطقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version