غادر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الحياة عن عمر 100 عام، تاركًا وراءه إرثًا فريدًا من القيم الإنسانية والسلام. وبينما كان يُنتقد بشدة خلال فترة رئاسته، إلا أن مسيرته بعد مغادرة البيت الأبيض جعلته رمزًا عالميًا للحقوق والعدالة.
ولم يكن كارتر مجرد رئيس أميركي سابق، بل أصبح سفيرًا للإنسانية، متحدثًا عن معاناة الشعوب ومناهضًا لكل أشكال القهر. ففي خطابه لقبول جائزة نوبل للسلام عام 2002، قال كارتر: “الحرب قد تكون شرًا ضروريًا، لكنها دائمًا شر، وليست أبدًا خيرًا”. وجاءت هذه الكلمات بعد عقود من السعي نحو حل النزاعات بطرق سلمية، متجاوزًا الحلول العسكرية التي تسببت في قتل الأبرياء وتدمير المجتمعات.
وفي وداعه الرئاسي عام 1981، قال كارتر: “أمريكا لم تخترع حقوق الإنسان، بل حقوق الإنسان هي من اخترعت أمريكا”. تعكس هذه الجملة فلسفته، وجاءت في فترة كانت بلاده تواجه تحديات حقوقية على المستوى المحلي والدولي، من الكفاح ضد التمييز العنصري إلى محاولة إنهاء الحروب الظالمة.
وفي خطابه الشهير عام 1979، تحدث عن أزمة ضربت الروح الأمريكية قائلًا: “إنها أزمة تهدد بتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي لأمريكا”. وجاءت هذه الكلمات في فترة صعبة عانت فيها الولايات المتحدة من تضخم اقتصادي وارتفاع في البطالة، مما جعله يدعو شعبه لاستعادة الثقة والوحدة.
وعندما طُلب منه رأيه في الأزمة السورية، دعا كارتر إلى حل سياسي شامل يترك للشعب السوري تحديد مستقبله، بدلاً من فرض انتصار طرف على حساب الآخر حيث قال في أحد مقابلاته: “علينا أن ندع السوريين يقررون قياداتهم دون تدمير بلدهم”، إذ كان يرى في التفاوض وسيلة لتجنب مزيد من الدمار وإراقة الدماء.
وخلال زيارته لقطاع غزة عام 2009، وصف كارتر معاناة الفلسطينيين قائلاً: “يتم معاملتهم كالحيوانات”. جاءت هذه الكلمات بعد زيارته لمنازل دُمّرت وأسر عانت من الحصار. هذه الزيارة كانت جزءًا من جهوده للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، في وقت كانت فيه المفاوضات مع إسرائيل تواجه انسدادًا.
ورغم الانتقادات، التقى كارتر قادة دول عُرفت بعدائها للولايات المتحدة، مثل كوريا الشمالية، حيث دعا إلى الحوار بدلاً من الخطابات النارية. كان يؤمن بأن التواصل هو السبيل الوحيد لحل الأزمات، وهو ما أكده في لقاءاته مع كيم جونغ أون.
لم يكن كارتر يخشى الاعتراف بضعفه كإنسان. ففي مقابلة له مع مجلة بلاي بوي عام 1976، قال: “لقد نظرت إلى العديد من النساء بشهوة. لقد ارتكبت الزنا في قلبي مرات عديدة. والله يغفر لي”. هذه العبارة، رغم إثارتها للجدل، أظهرت صدقه وتواضعه أمام العالم.
ومع وفاته، يبقى جيمي كارتر أكثر من مجرد رئيس سابق؛ هو صوت الإنسان في السياسة، وضمير يحثّنا على السعي للعدالة والسلام.