في أغنيته الشهيرة “الجندول” غنّى لها محمد عبد الوهاب ووصفها بعروس البحر وحلم الخيال. لكن مدينة البندقية أضحت في خطر، بسبب أعداد الزوار الكبيرة التي تأتي إليها، وما يترتب على ذلك من تبعات بيئية.
عجّ جسر ريالتو الشهير في البندقية بالسياح في اليوم الذي أوصت فيه اليونسكو بوضع المدينة الإيطالية على قائمتها المهددة بالخطر بسبب السياحة المفرطة ومخاوف بيئية أخرى.
وظهرت معالم السعادة على جحافل الزوار الذين كانوا يلتقطون صور سيلفي ويتناولون المثلجات، غافلين الخفض المحتمل لتصنيف المدينة، الذي أكّدت اليونسكو أنه يعود إلى خطر تعرّضها لضرر “نهائي”.
وأوصت اليونسكو الإثنين بإدراج البندقية على قائمة التراث العالمي المهدد، بسبب تدفق السياح والتأثيرات الناجمة عن الاحترار المناخي، في وقت لم تتخذ فيه إيطاليا تدابير كافية لمكافحة تدهور المنطقة.
وأشارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة إلى أنّ “آثار التغير المناخي والسياحة المفرطة تهددان بإحداث تغييرات نهائية للقيمة العالمية البارزة لممتلكات” المنطقة. ولفتت المنظمة إلى أنّ ارتفاع مستوى البحار والظواهر المناخية المتطرفة الأخرى المرتبطة بالاحترار العالمي “يهددان سلامة” المنطقة.
“يرمون السجائر على الأرض”
وأشارت السائحة المتحدرة من نيويورك آشلي بارك (28 عاماً) إلى أنها كانت تعلم أنّ البندقية ستكون حاشدة بالسياح، لكنّ ذلك ليس من شأنه أن يفسد إجازتها. وقالت “لن يكون الأمر ممتعاً لو كنت أعيش هنا في ظل هذا الوجود الكبير للسياح”.
ومن بين الحشود الموجودة فوق الجسر التاريخي، يقف العامل دييغو نيكيفروفو (23 عاماً) مرتدياً قميصاً عليه وسم “استمتع بالبندقية واحترمها” (#EnjoyRespectVenezia) ومنشغلاً بمراقبة أي تصرف سيء قد يصدر عن السياح.
وقال مشيراً إلى كيس من رقائق البطاطا رُمي على مدخل متجر للمجوهرات “أرى أحياناً شخصاً يرمي سيجارته على الأرض أو يتجوّل من دون قميص”. وأسوأ ما أقدمت عليه مجموعة من السياح، بحسب العامل، هو “جلوس عدد منهم أمام قصر دوجي وافتراشهم الأرض لتناول الطعام”.
ولفت نيكيفروفو إلى سقوط سائح كان مشتت الانتباه في المياه قبل أسابيع قليلة. وقال “كان يحاول التقاط صورة جميلة”.
“رجاءً لا تأتوا بعد اليوم”
وعلى مقربة من الجسر، يعرض بائع لوحات مائية لافتة كُتب عليها “ساحة القديس مرقس”. وقال كلاوديو، المتحدر من البندقية والذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه الكامل: “هذا كل ما يرغبون في معرفته، يزورون البندقية لأنّها البندقية، لا أكثر”.
ورأى أنّ زمن زيارة السائحين المثقفين للمنطقة واستمتاعهم بكنائسها ومتاحفها الكثيرة ولّى.
وتابع “مَن يزور البندقية راهنًا لا يدرك حتى ما معنى متحف. إنها ليست سياحة ثقافية”، مضيفًا “كل ما يرغبون في قيامه هو ارتياد الشواطئ أو الجبال. رجاءً لا تأتوا بعد اليوم” إلى هنا.
وقائمة التحديات التي تواجهها البندقية طويلة، من الأضرار البيئية التي طالت بحيرتها وصولاً إلى رحيل سكانها، إذ لم يبق منهم سوى 500 ألف شخص فقط، ما يجعلها مدينة بلا روح بحسب نقاد كثيرين.
وحذرت مجموعات مُدافعة عن البيئة من السفن التي توفر رحلات لآلاف السياح وتُبحر قرب الشاطئ تحديدًا، مما يتسبب في تسجيل موجات عالية تساهم في تآكل أساسات البندقية وإلحاق ضرر بنظام البحيرة البيئي الهش. إلا أنّ تحويل مسار السفن إلى ميناء مارغيرا الصناعي الأبعد مسافةً، لم يعالج مسألة السياحة المفرطة بحد ذاتها.
وتشير البيانات الرسمية إلى أنّ نحو 3,2 ملايين سائح باتوا ليلتهم في الوسط التاريخي للمدينة خلال العام الفائت، في رقم لا يشمل آلاف الزوار اليوميين الذين يزورونها نهارًا فقط. ويقول السائح الأميركي مايك ماك وليامز (53 عاماً) الذي وصل إلى المدينة في زيارة مع عائلته ليومين “إنها جميلة، إنها أشبه بلوحة!” .
إجراءات حكومية “غير فعالة”
وكانت اليونسكو أدرجت البندقية عام 1987 على قائمة التراث العالمي باعتبارها “تحفة معمارية استثنائية”، لكنها حذرت من ضرورة اعتماد “إدارة سياحية أكثر استدامة” لها. وأكدت الاثنين أنّ السلطات “ليس لديها رؤية استراتيجية مشتركة شاملة”. ويقول النقّاد إن الإجراءات التي تم اعتمادها في المجال السياحي كانت غير فعّالة وأتت متأخرة.
وجرى تأجيل خطة لاعتماد نظام الحجز المدفوع للسياح الذين يزورون البندقية يومًا واحدًا فقط مرات عدة، بسبب مخاوف من تأثيرها بصورة كبيرة على الإيرادات المتأتية من السياحة وتعريض حرية الحركة للخطر.
وبالعودة إلى ساحة القديس مُرقص، كان العامل لورينزو سيانو (21 عامًا) يجهد لمنع السياح من الجلوس على الدرج المحيط بالقناطر.
وأشار إلى أنّ “مشكلة السياحة المفرطة باتت كبيرة جدًا في البندقية، لكن أي جهة حكومية تحاول معالجة المشكلة على الصعيد الهيكلي”، مضيفًا “في نهاية المطاف، إنّ المنطقة تحقق إيرادات مرتفعة جدًا” من القطاع السياحي.
المصادر الإضافية • أ ف ب