لا يقتصر الولع باقتناء الدمى على الأطفال، بل يستمر مع البعض حتى مراحل عمرية متقدمة، ليتحول إلى عالم كامل، وربما مستقبل يمكن أن ترسمه “دمية الطفولة”.
تشير الأبحاث العلمية إلى ما توفره الدمى من إشباع نفسي وعلاج لمشكلات تتعلق بالشعور بالأمان والهوية، لكن الأمور تذهب إلى ما هو أبعد عند البعض حيث الكثير من الأسرار والفوائد والحكايات.
هؤلاء ما زالوا يحتفظون بدماهم
حين كانت طفلة، طرحت المهندسة والكاتبة والروائية المصرية لمياء نجيب سؤالا على والدتها لم تنسه حتى الآن. تقول للجزيرة نت، “تعجبت: لماذا لا يلعب الكبار بالدمى والعرائس يا أمي؟ فقالت لي حين تكبرين ستجدين أنك توقفت فجأة عن اقتنائها من دون مقدمات، لن تفكري بها، أو ترغبي في اللعب بها مرة أخرى، لكنني قلت لها غير مصدقة، لا يمكن أن يحدث هذا أبدا، وقد كان”.
استمر ولع لمياء حتى الآن، هي لا تفضل ذكر عدد سنوات عمرها، لكنها تعلم جيدا أنه لا أحد من أصدقائها يمتلك تلك الهواية.
تقول، “أمتلك دمى وعرائس بكميات كبيرة، إناثا وذكورا، لكنني لا أشتري بشكل عشوائي، المسألة ليست مجرد اقتناء وحسب، فأنا مثلا لا أوافق أن يهديني أصدقائي دمى أو عرائس، الأمر يتعلق بشعور معين يسيطر علي فيدفعني لشراء واحدة بعينها، كتلك العروسة التي رأيتها في أحد المحال، وكان إلى جوارها العشرات تشبهها، لكنها وحدها التي كانت تتميز بعين واحدة نصف مغلقة، وكأنها مصابة أو تؤلمها، رق قلبي لها كأنها بحاجة لي، واشتريتها فورا، ثمة دمى بعينها أشعر كأنها تناديني كي أقتنيها، وأنا أمنحها أسماء أيضا، منها مثلا برتقالة، وأبو حلموس وأنوس، وياقوت وياقوتة، ولولي ولولو”.
تخضع لمياء مجموعتها إلى جلسات تصوير، وتحرص على شراء الأكسسوارات والملابس لهم، مسألة تفسرها بقولها “هذه هي الطريقة التي يمكن بها العودة إلى الطفولة أحيانا، أو التحليق معهم إلى عالم آخر خيالي بالكامل، عامر بالمواقف والحكايات التي لا تنتهي للواقع، إنني أتخيل مواقف بالذات مع الألعاب ذات الشكل الكوميدي، العرائس بالنسبة لي مصدر بهجة وسعادة لا تنتهي، يقول البعض إنها تشبع احتياج الأمومة عند الناس لكنني لا أرى أنها تشبع هذا الجانب وحده، فثمة جوانب أخرى عديدة، هي تجعلني أشعر بالدنيا وزينتها والسعادة الممكنة فيها”.
قد يبدو الأمر غريبا للبعض، لكن المفاجأة أن هناك اتحادا عاما لنوادي الدمى حول العالم، يعد أحد أكبر مجموعات الهواة على الإطلاق بعد جماعي الطوابع، يضم قرابة 16 ألف عضو من مختلف العالم.
فوائد نفسية غير متوقعة
يقسم علماء النفس والأعصاب جامعي الدمى إلى نوعين أساسيين، الأول يملك شعورا آمنا بالذات، والثاني يظهر شعورا غير آمن بالذات.
وعليه، تختلف الوظيفة التي تؤديها الدمى في الحالتين. تقول باحثة علم الأعصاب ومؤلفة كتاب “داخل عقل الجامع” الدكتورة شيرلي إم مولر، أن البالغين الذين يجمعون الدمى لا يقومون بذلك لغرض المتعة وحسب، ولكن لغرض علاجي أيضا، حيث تكمن مجموعة من العوامل النفسية وراء الأمر، فأولئك الذين لديهم شعور غير آمن بالذات يستخدمون تلك الهواية كوسيلة للتعامل مع مشكلات الشك بالذات والهوية غير المستقرة عبر خلق عوالم أخرى، يمكنهم من خلالها تعويض المشاعر والتفاصيل المفقودة على أرض الواقع، وحل النزاعات والتوترات الداخلية.
أما بالنسبة إلى المجموعة التي تملك ذاتا آمنة، فإنهم يستخدمون تلك الهواية كوسيلة لتحمل الأحداث السلبية في الحياة، والتسامح معها.
وفي كتابهما “جماليات العاطفة”، يذكر الباحثان في قسم علم النفس في جامعة تورنتو أنجيلي إغناسيو وجيرالد كوبشيك، أن جامعي الدمى الذين يتمتعون بإحساس آمن بالذات يستخدمون اللعب بالدمى وبناء عالم خيالي كوسيلة للإبداع والاستمتاع.
أما أولئك الذين يعانون من عدم الأمان الذاتي، فتتحول أنشطتهم باستخدام الدمى إلى وسيلة لحل التوترات الداخلية والانخراط في العلاج الذاتي والشفاء من القضايا التي لم تُحل في حياتهم.
وتشير الأبحاث إلى مجموعة من الفوائد النفسية لجمع الدمى من بينها:
- تخفيف التوتر
- الشعور بالهوية
- تحفيز مركز المتعة
- معرفة الذات
ولع تحول إلى عمل
بدأ ولع سامية عيد، بالدمى والعرائس في مرحلة روضة الأطفال، لكن ولعها تحول لاحقا إلى “عمل” ورغم تخرجها في كلية الهندسة قبل أشهر، فإن هواية الطفولة رسمت لها طريقا مختلفا كليا.
تقول للجزيرة، “أحببت العرائس كلعبة، لكن مع الوقت، تطور الأمر، صارت الدمى وسيلة لتحقيق أحلامي في تصميم الأزياء، هكذا صرت أنفذ الملابس التي أراها في الأفلام القديمة، والأفكار التي تراودني على الدمى، وكانت النتائج تتحسن مع الوقت، فصرت أقتني مزيدا من الدمى مع تغيير الشكل والأبعاد بشكل منتظم، وعقب انتهاء المرحلة الابتدائية، تزايد اهتمامي بالتصميم والأزياء، فقمت بعرض تصميماتي على الإنترنت لأفاجئ بردود فعل رائعة”.
وتضيف، “حظيت بتشجيع ضخم، على الانتقال من التصميم للعرائس للأطفال، ففكرت في تطوير نفسي أكثر وأن يكون لي علامة تخصني وقد تلقيت الكثير من الطلبات بالفعل، فصرت أنفذ تصميم الفستان للأطفال، ومعه تصميم مماثل لدميتها، فترتدي الطفلة ملابس مشابهة لما ترتديه دميتها، ومع الوقت انتقلت إلى التفصيل للكبار”.
انطلقت سامية وواصلت رحلتها في التعلم الذاتي بشكل تام، هكذا أتقنت رسم الباترون، والتفصيل من دون معلم، وغاصت أكثر مع دماها في عالم فساتين العصر الفيكتوري وتصميمات القرنين الماضيين، وصارت دماها تحمل تصميماتها كعارضات يجلبن لها مزيدا من المعجبين والراغبين في نقل التصميم من عالم الدمى إلى عالم البشر.
أما آية صلاح، فقد كانت مولعة بالدمى والأفلام القديمة في طفولتها، وكانت تتمنى لو أنها ترتدي على غرار تلك الأفلام، فبدأت في تطبيق ما تراه على الدمى والعرائس، ثم بدأت تعلم مبادئ تصميم الأزياء، وراحت تطبق ما تراه على العرائس القديمة التي صار لها ملابس من “فينتاج” بتفاصيل دقيقة.
وحين قامت آية ذات الـ 30 عاما بنشر الصور عبر مواقع التواصل، أمطرها المعجبون بالطلبات لتفصيل ملابس للدمى، لكن الأمر تطور فصارت تقوم بتفصيل “عروسة الزفاف” بحيث تحمل العروس دمية ترتدي الفستان ذاته، وهو ما كان فكرة لافتة للكثير من الفتيات اللائي أردن مظهرا مختلفا في حفلات زفافهن.
تقول آية للجزيرة نت، “تطور الأمر لدرجة أنني صرت أستورد عرائس قديمة من الخارج، وأجد طريقة لإقناع الناس باقتناء الدمى، من خلال الصور التي أقوم بنشرها لملابسي وملابس العرائس، وتحول الأمر إلى مشروع، حاليا صرت أعمل في مجال الألعاب والتفصيل للألعاب، حبي للعرائس ما زال قائما، لو لم يكن هذا عملي كانت حياتي لتصبح كئيبة جدا، هذا مصدر سعادتي، حين أجمع العرائس، أمشط شعرها، وأمنحها ملابس جديدة، وأنا أيضا أحب التصوير”.
وتختم، “أعمل منذ أكثر من 6 سنوات، وأعتبر ما وصلت إليه إنجازا، وحاليا أسعى لامتلاك متجر للعرائس من العصر الفيكتوري والألعاب النادرة، والدمي الأنتيك، في الواقع الدمى والعرائس ليست للأطفال فقط، جامعو الدمى كثيرون يشترونها لأنفسهم ويستمتعون بها قبل أن تكون لأولادهم”.