تعرض بافيل دوروف خلال حياته إلى العديد من اللحظات التي كان فيها نجمًا على مسرح الصحافة العالمية والتقنية، إذ تمكنت منصته “تليغرام” مؤخرًا من كسر حاجز 900 مليون مستخدم نشط، فضلًا عن المرات التي وصل دوروف فيها إلى منصة الأضواء بفضل حياته الشخصية.

ولكن كل هذه اللحظات تضمحل أمام لحظة إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الفرنسية، حيث تفاجأ العالم بالقبض عليه في مطار لو بورجيه الفرنسي عقب اتهامه بالمساهمة في نشر محتوى إباحي للأطفال.

تحول دوروف بين ليلة وضحاها إلى شخصية مثيرة للجدل في مختلف بقاع العالم، بين من يراه شهيدًا لحرية التعبير عن الرأي، ومن يرونه منتفعًا كون ثروته من تسهيل عمل المجرمين في العالم الرقمي، وبين هذا وذاك يقبع بافل دوروف الحقيقي، فمن هو؟

نبوغه منذ الصغر

وُلد بافيل دوروف عام 1984 في الاتحاد السوفياتي لأبوين روسيين، قرر والداه الانتقال إلى إيطاليا عندما كان يبلغ من العمر 4 أعوام، ثم عاد إلى ربوع روسيا مع سقوط الاتحاد السوفياتي بعد تلقي والده عرضًا للعمل أستاذا جامعيا في جامعة “سانت بطرسبرغ”.

تشارك بافيل وشقيقه الأكبر نيكولاي حبهم للرياضيات والذكاء بشكل عام منذ نعومة أظافرهما، إذ شارك نيكولاي الأخ الأكبر في مسابقة في التلفاز الإيطالي لحل المعادلات التكعيبية، كما فاز بالميدالية الذهبية في الأولمبياد الرياضية لثلاثة أعوام متتالية في الفترة من 1996 وحتى 1998، أما بافيل فقد كان التلميذ المثالي لعدة أعوام متتالية في جامعته.

ارتبط بافيل ونيكولاي بالبرمجة في عمر صغير للغاية، وذلك بفضل حصولهما على حاسوب “آي بي إم إكس تي” (IBM XT) في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد عودتهما من إيطاليا، وهذا يعني أنهما كانا من الأسر القليلة في روسيا التي كان لديها وصول للحواسيب الشخصية، وفق تصريح قدمه بافيل أثناء مقابلة نادرة مع تاكر كارلسون المذيع الشهير مطلع هذا العام.

في عام 2006، وعندما كان دوروف يبلغ من العمر 21 عامًا تمكن من تطوير منصة تواصل اجتماعي أطلق عليها “فكونتاكتي” (Vkontakte) وهي التي منحته لقب “زوكربيرغ روسيا”، ورغم هذا التشابه، فإن علاقة دوروف مع الكرملين تحولت إلى علاقة عدائية بشكل أسرع مما حدث مع زوكربيرغ والبيت الأبيض.

تحدٍ للسلطات منذ البداية

تأسست شبكة “في كيه” (VK) في عام 2006، وذلك قبل تأسيس منصة تليغرام بـ8 أعوام كاملة، ولكن صراعات دوروف مع السلطة بدأت منذ ذاك الوقت، إذ رفض طلبًا مباشرًا من الكرملين للوصول إلى بيانات المستخدمين بعد أن تم استخدام المنصة في تنظيم مظاهرات ضد الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا.

وصف دوروف تجربته مع تأسيس المنصة والصدام مع السلطات الروسية بأنها تجربة علمته الكثير، إذ لم يكن يسعى في ذلك الوقت إلى الثروة، بل إن هدفه الرئيسي كان تقديم منصة تتيح للمستخدمين التحدث بكل حرية.

انتهى الأمر بأن تخلى دوروف عن حصته في المنصة، وباع جميع أسهمه بعد أن تنحى عن منصبه مديرا تنفيذيا وغادر البلاد تمامًا، والآن تخضع منصة “في كيه” لقيادة موالية للسلطات الروسية بشكل كبير، وبينما أدرك دوروف خطأه في تأسيس المنصة تحت أعين السلطات الروسية، قرر سريعًا في عام 2017 نقل مقر شركته بشكل كامل إلى المدينة الإعلامية في دبي، ليستقر هناك حتى يحصل على الجنسية الإماراتية في فبراير/شباط 2021.

الخصوصية أولًا

منذ بداية صراع دوروف والسلطات الروسية وهو يرفع راية الحرية الشخصية وحماية الخصوصية، لذا خرج في عام 2015، أي بعد إطلاق تليغرام بعام واحد فقط، قائلًا إن جميع منصات التواصل الاجتماعي والرسائل السريعة سيئة لأنها جميعًا تترك بابًا خلفيًا للسلطات لمراقبة مستخدميها، وذلك في تصريح مباشر مع موقع “تيك كرانش” (Tech Crunch).

وفي مقابلة أخرى مع “سي إن إن” (CNN)، أكد دوروف أن تليغرام هي منصة الرسائل السريعة الأكثر أمنًا في العالم، وأن إدارة المنصة لا تنوي فتح باب خلفي لأي حكومة في العالم لأن هذا يتنافى مع مبادئهم.

لهذا السبب تحديدًا، ترفض إدارة المنصة حتى اليوم الكشف عن خوارزمية التشفير الخاصة بها التي تستخدم بشكل مستمر ودائم مع كافة الرسائل، ورغم كون تليغرام يستخدم خوارزميات التشفير الثنائي الأطراف مثل “واتساب”، فإن خوارزمية الأخير متاحٌ الوصول إليها وتجربتها.

هذا التوجه دفع السلطات الروسية لمحاولة حظر التطبيق عام 2018 رغم محاولات دوروف المستميتة لمواجهة الحظر. وفي عام 2020، تمكن من رفع الحظر وإتاحة المنصة مجددًا، لتصبح بذلك إحدى منصات التواصل الاجتماعي العالمية القليلة التي تعمل في روسيا دون قيود.

صفقة سرية بين دوروف وبوتين؟

رفع حظر تليغرام في عام 2020 كان مفاجئًا للعالم أجمع، وذلك لأن بافل دوروف كان يؤكد مرارًا وتكرارًا أنه معادٍ بشكل مباشر للحكومة الروسية ولن يمنحها وصولًا إلى خوارزميات منصته. لذا، اتجهت الأصابع مباشرةً إلى دوروف قائلةً إنه عقد صفقة مع الكرملين حتى تتاح المنصة داخل الحدود الروسية.

بالطبع، حاول دوروف كثيرًا نفي هذه الاتهامات، وأشار في مقابلات عديدة إلى الصراعات التي خاضها مع الحكومة الروسية، ولكن هذا لم يكن كافيًا لدرء الاتهامات ضده، ومما ساهم في تعزيز هذه الاتهامات، وجود دوروف وبوتين في الوقت ذاته داخل حدود أذربيجان.

كان ذلك قبل إلقاء القبض على دوروف بعدة أيام، إذ وُجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبافل دوروف في أذربيجان بشكل منفصل في الوقت ذاته، ورغم تأكيدات الطرفين على عدم تقابلهما، فإن السلطات الروسية سارعت باتخاذ الإجراءات اللازمة فور إلقاء القبض على دوروف.

في الوقت الحالي، أصدرت فرنسا أمر اعتقال ضد المؤسس المشارك للمنصة نيكولاي دوروف بالمزاعم ذاتها، ورغم أن سياسة تليغرام في إدارة المحتوى كانت مصدر قلق كبير للسلطات الغربية في السنوات الماضية، فإن تحرك فرنسا الآن ضد الشقيقين قد يحمل في طياته أكثر من مجرد محاولة لقمع شبكات الاتجار بالأطفال، وربما كان للأمر علاقة بالاحتجاجات التي اندلعت في عام 2015 وكان للمنصة دور أساسي فيها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version