شهدت قمة الويب 2024 الأخيرة في لشبونة أرقاما قياسية تعكس حجم وأهمية هذا الحدث العالمي، حيث جمعت 71 ألفا و528 مشاركا من 153 دولة، بمشاركة 3050 شركة عارضة، و953 متحدثًا، و1066مستثمرًا، كما شهدت حضورا نسائيا لافتا بنسبة 42%،.

ومع بروز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كبطل التقنيات الممثلة في القمة بنسبة تجاوزت 16%، لم يكن حضور هذه التقنية يقتصر على أجنحة المعرض فقط، فقد قمنا في “الجزيرة نت” باستخدامه في تجربة فريدة لتغطية هذا الحدث إعلاميا.

عمل المراسل الصحفي في تغطية الأحداث الضخمة

في ظل حجم القمة وضيق الوقت المتاح للصحفيين، برز الذكاء الاصطناعي كأداة لا غنى عنها لتسهيل المهام الصحفية، بدءًا من تسجيل المقابلات وتحويلها إلى نصوص متعددة اللغات، وتصنيفها وفق الموضوعات، وصولًا إلى تلخيصها بدقة.

هذه القدرات لم تقتصر على توفير الوقت والجهد فحسب، بل أتاحت أيضًا تغطية شاملة وفعالة لعدد أكبر من المشاركين، مع ضمان دقة المحتوى. ومن خلال هذه التجربة، أصبح واضحًا أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل فقط تقنية مستقبلية، بل هو شريك عملي يعيد تعريف الطريقة التي تُدار بها التغطيات الصحفية في أحداث بهذا الحجم.

فإنتاج مواد تغطي المقابلات في مثل هذه الأحداث مرهقة للمراسل فيجب عليه بالإضافة للجهد المبذول قبل وأثناء المقابلة أن يقوم بعد ذلك بتفريغ المقابلة واستصلاح ما يمكن أن يجده جيدا ثم يبدأ الكتابة.

هذا في حالة المقابلة الواحدة ولكن ماذا لو كنا نحتاج تغطية أكبر عدد من المشتركين من شركات وأشخاص؟ فهل يمكن القيام بذلك دون أن تحتاج لقضاء اليوم بالكامل على مادة؟

تحدي الجزيرة وقمة الويب

قررت كمسؤول صفحة تكنولوجيا والموفد الخاص للقمة في اليوم الثاني من القمة اختبار قدرة الذكاء الاصطناعي في مساعدتي لتغطية هذا الحدث الضخم فقمت بكتابة أوامر واضحة أطلب منه تنفيذ عدة مهام “ليس من ضمنها كتابة المقال طبعا” وبترتيب معين حتى أحصل على معلومات تمكني من نشر 3 مقالات تغطي عدة مواضيع في القمة منها “الوجود العربي” و”أجنحة الدول” و”شركات وتطبيقات مميزة” هذه المقالات ستكون نتيجة مقابلات أجريها مع أشخاص يمثلون شركاتهم ودولهم.

تشريح الأمر للذكاء الاصطناعي

قمت باستخدام تطبيق “شات جي بي تي” على الهاتف خصوصا أنه الآن يدعم خاصية تسجيل المحادثة وتحويلها لنص، وقمت بهندسة الأمر الموضح في الصورة بطريقة تمكن الذكاء الاصطناعي من فهم ترتيب العمل حتى لا يحدث خطأ في تسلسل المهمات أو في إدخال المقابلات دون ترتيب مما يتعذر بعد ذلك تصنيفها لذلك قمت بتوضيح الأوامر على شكل خطوات وأعطيته تعليمات أنا لا يقوم بالمهمة التالية حتى أعطي أمرا معينا، وللتأكد من أنه فهمني قمت بالطلب منه إعادة التعليمات بحسب فهمه لها.

هذه تفاصيل الأمر:

أريد منك إنشاء مقالات باللغة العربية مع مراعاة الخطوات التالية:

  • سأقوم بتزويدك بمجموعة من المقابلات، ويجب أن تنتظر حتى أعطيك الأمر “صنّف” لتقوم بتصنيفها إلى 3 فئات “مقالات”:
    “الوجوه العربية في قمة الويب” التي تجمع جميع المقابلات المتعلقة بالشركات الناشئة العربية.
    “الشركات والمنتجات المثيرة للاهتمام في قمة الويب”.
    “الدول في قمة الويب”.
  • بعد تصنيف المقابلات، يجب أن تلخص كل مقابلة إلى 5-10 أسطر عندما أعطيك الأمر “لخّص”.
  • أخيرًا، يجب أن تنشئ 3 مقالات، تحتوي كل مقالة على ما لا يقل عن 5 مقابلات وما لا يزيد على 10، وذلك عند إعطائي الأمر “أنشئ”.
  • إذا لم تصل المقالة إلى الحد الأدنى المطلوب، فقط أخبرني أنك تحتاج إلى المزيد من المقابلات. بعد إنشاء المقالة، وعند إعطائي الأمر “أنهِ”، قم بترجمتها إلى اللغة العربية.

هل يمكنك مراجعة التعليمات وما تحتاج للقيام به؟

 

 

بعد ذلك قمت بتخصيص 3 ساعات من الوقت فقط لإجراء المقابلات مع مختلف المشاركين ودون ترتيب مسبق وقد استعنت بتطبيق “شات جي بي تي المدفوع” على الهاتف لتسجيل المقابلات وتحويلها لنصوص، فكان يسجل المقابلة ثم بعد انتهاء التسجيل الصوتي يعرضها عليّ كنص لأخذ الموافقة في إدخالها ضمن المقابلات المقبولة.

والحقيقة لولا هذه الخاصية في تطبيق “شات جي بي تي” لكان الأمر أشبه بالمستحيل فقد عانيت في المؤتمر السابق في الدوحة من تطبيقات تحويل المحادثة الخارجية لنص ولم يكن الأمر سهلا أبدا لكن مع خاصية تحويل المحادثة إلى نص فقد سهلت عليّ الكثير من ذلك:

الملاحظات والدروس المستفادة من هذه التجربة

هذه التجربة العملية في تغطية مؤتمر قمة الويب 2024 وإدخال الذكاء الاصطناعي كمساعد للمراسل مهمة في تحديد هل يمكن الاعتماد حاليا على الذكاء الاصطناعي في بعض المهام التي تحتاج للتفكير والتحليل المنطقي في التغطيات الصحفية؟ أم أننا ما زلنا في البدايات لهذه التكنولوجيا، ولكي نكون منصفين يجب ذكر الميزات والتحديات في هذه التجربة.

الميزات:

  • القدرة على تغطية عدد أكبر من المشاركين في القمة خلال وقت قصير وذلك بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التصنيف والتفريغ والتلخيص.
  • قدرة الضيوف على التحدث باللغة التي يجدونها أقرب لتوصيل الفكرة دون الحاجة لوجود مترجم، وقيام الذكاء الاصطناعي بدور المترجم ومفرغ الصوت هو في حد ذاته تحدٍّ كان يواجه المراسلين الميدانيين وأصبح الآن أسهل.
  • قدرة الذكاء الاصطناعي على تمييز سياق المحادثات وتصنيف المقابلات بناء على هذا التمييز يسهّل عمل المراسل ويجعله يتفرغ أكثر لإجراء عدد أكبر من المقابلات.

التحديات:

ربما يكون أهم تحد في هذه التجربة هو تحدي المراسل للاستسهال والاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي، فعندما يرى المراسل قدرات الذكاء الاصطناعي على القيام بعملية التغطية بشكل كامل يظن أنه لا يحتاج للتدخل البشري ويعتمد عليه وهنا الفخ.

فقد أثبتت هذه التجربة أن العامل البشري في التدقيق والتحري ضروري جدا وأن الاعتماد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وهنا بعض الأمثلة:

  • في إحدى المقابلات وبعد انتهاء التسجيل وعند تحويل الكلام إلى نص قام الذكاء الاصطناعي بتحريف اسم الشركة لاسم آخر تماما ولولا التدقيق من قبلي والحرص على تصوير المشاركين بجانب أسماء شركاتهم للمراجعة لاحقا وتذكر المقابلة لكانت هناك في المقال شركة جديدة تماما ليس لها وجود.
  • عند تلخيص المقابلات يقوم التطبيق بإضافة كلام لم يذكر لذلك على المراسل أن يقوم بالتأكد من المحتوى.
  • قمت بعمل 27 مقابلة ولكن عند تحويلها لنصوص بعض المقابلات اختفت وكانت المحصلة النهائية 19 مقابلة موثقة من قبل الذكاء الاصطناعي مع أنني وافقت عليها وتأكدت من أنها موجودة على التطبيق ولكن عند التفريغ النهائي اختفت.
  • في بعض المقابلات كان التصنيف خاطئا ولكن هذه المقابلات كانت غير واضحة فالكلام كان عن تطبيقات ولكن المقابلة كانت في جناح دولة من الدول ووجد التطبيق أن أغلب الحديث عن التطبيقات فصنفها في هذا المقال.

وأخيرا هناك تحد واضح آخر وهو هل نستطيع كبشر برغم تسهيل الذكاء الاصطناعي للعديد من المهمات في القدرة على مجاراته من ناحية توفيرها للجمهور؟ فبالرغم من قدرتي على نشر المقالات الثلاث التي ساعدني فيها الذكاء الاصطناعي فإنني وبقدراتي البشرية قمت بتخفيض التوقعات فبدلا من كتابة 3 مقالات كل مقال يحوي 5 مقابلات على الأقل، ورغم وجود المحتوى فإن التأكد منه وتحريره وإرفاق الصور والمواد المتعلقة أجبرني على الاقتصار على 4 مقابلات فقط.

فوائد أخرى:

من ضمن الفوائد التي وجدتها في استخدام الذكاء الاصطناعي في تغطية قمة الويب 2024، قدرته في تحديد الأماكن في حدث ضخم مثل هذا الحدث فقد كنت في طريقي لحضور ندوة في قاعة من قاعات المؤتمر ولم أعرف الوصول لها فقمت بأخذ صورة لخريطة المؤتمر موجودة في إحدى القاعات وأدخلتها لتطبيق “شات جي بي تي” وطلبت منه أن يحدد لي مكان القاعة من الخريطة وبسهولة استطاع تميزها وإرشادي لموقع القاعة على الخريطة، كما هو موضح في الصورة.

 

خذلني الذكاء الاصطناعي في قمة الويب بالدوحة ولكنه أنقذني في قمة الويب في لشبونة مما يؤكد أننا أمام تكنولوجيا تتطور بشكل متسارع وأننا أمام قدرات لو استغلت بالشكل الصحيح يمكنها نقلنا إلى منزلة كبيرة في مختلف مناحي حياتنا، وربما خلال قمة الويب المقبلة في الدوحة أجد أمامي جيشا من المساعدين باستخدام الذكاء الاصطناعي يغطون معي القمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version