فقدت الساحة الفنية المصرية والعربية واحداً من أبرز أعمدتها، برحيل الفنان القدير صلاح السعدني، الذي وافته المنية تاركاً خلفه إرثاً فنياً ضخماً استحق عليه لقب «عمدة الدراما المصرية» و«غول التمثيل». لم يكن السعدني مجرد ممثل عابر في تاريخ الفن المصري، بل كان علامة فارقة شكلت وجدان أجيال متعاقبة، بفضل قدرته الفائقة على تقمص الشخصيات المركبة والمعقدة ببراعة وسلاسة نادرة.
البدايات وتشكيل الوعي الفني
ولد صلاح السعدني في أكتوبر عام 1943، ونشأ في بيئة ثقافية خصبة، فهو الشقيق الأصغر للكاتب الساخر الكبير محمود السعدني، مما ساهم في تشكيل وعيه السياسي والثقافي مبكراً. بدأت رحلته الفنية من مسرح كلية الزراعة، حيث زامل الزعيم عادل إمام، ليشقا طريقهما معاً، وإن اختلفت المسارات؛ حيث اتجه إمام للسينما والكوميديا، بينما رسخ السعدني أقدامه كأحد عمالقة الدراما التلفزيونية الجادة، مقدماً أدواراً تمس الواقع المصري وتعبر عن الطبقة الوسطى والكادحة.
أيقونة «ليالي الحلمية» وتجسيد الهوية المصرية
يعد دور «العمدة سليمان غانم» في الملحمة الدرامية «ليالي الحلمية» للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، هو التاج الذي توج مسيرة السعدني. استطاع من خلال هذا الدور أن يجسد التناقضات الإنسانية وصراع الطبقات في مصر، محولاً الشخصية من مجرد دور في سيناريو إلى شخصية من لحم ودم تعيش بين المصريين. ولم يتوقف إبداعه عند ذلك، بل قدم رائعة «أرابيسك» مجسداً شخصية «حسن أرابيسك»، الفنان الحرفي الذي يبحث عن الهوية في زمن التغريب، مما رسخ مكانته كـ «غول» للأداء التمثيلي الذي لا يُبارى.
التأثير الثقافي والإرث الخالد
رحيل صلاح السعدني لا يمثل فقط خسارة لجسد فني، بل هو طي لصفحة هامة من تاريخ «القوة الناعمة» المصرية. لقد كان السعدني يختار أدواره بعناية فائقة، مفضلاً الكيف على الكم، مما جعل أعماله وثائق بصرية ترصد تحولات المجتمع المصري سياسياً واجتماعياً. سيظل تأثيره ممتداً عبر الأجيال، حيث ترك مدرسة في الأداء السهل الممتنع، تُلهم المواهب الشابة وتذكر الجمهور دائماً بقيمة الفن الحقيقي الذي يحترم عقل المشاهد ويعبر عن آماله وآلامه.
The post رحيل صلاح السعدني.. وداعاً عمدة الدراما وغول الفن المصري appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.





