يؤكد المفكر الدكتور عبدالجبار الرفاعي، أن فاعلية الحُبّ تتجلى في الصفح، وذلك أثر من آثار الحُبّ المؤطر بإطار أخلاقي معلِّم يهب الإنسان قدرة استثنائية لمنح مَن يحبّه الحقّ في الاختلاف، والحقّ في الخطأ، والحقّ بالاعتراف بالخطأ، والحقّ بالاعتذار.
وعدّ الرفاعي الحُبّ طاقة توليدية تزوّد الإنسان بما يغتسل به قلبه ويتطهر من الكراهية، ويتحرّر من دوافع الانتقام والثأر، ذلك أن القلب الذي يملأه الحُبّ يُعيد تشكيل نظرته للعالم، ويعيد بناء علاقاته بالآخرين، ويجعله أكثر دفئاً وعطفاً ورقة ورحمة، وتصير شخصيته منبعاً للصفح. هذا التغيير ينبع من طبيعة الحُبّ بوصفه عاطفة فعّالة تحفّز على العطاء والغفران، بدلاً من التشبث بالأحقاد والإحن والضغائن.
وذهب إلى أنّ معادلة الحُبّ والرحمة والصفح ثلاثية العناصر، وثيقة الصلة، وبين عناصرها جدلية تفاعلية تكاملية، كون معادلتها تنبني على أصل هو الحُبّ، تنبثق عنه الرحمة، وتعود الرحمة لتحتضن الحُبّ، وتعيد توليده وتكريسه، ويتألف من اتحادهما الصفح، ليعود الصفح مجدّداً وهو العنصر الثالث في المعادلة ليحتضن التوليفة المنصهر فيها الحُبّ والرحمة، ليحتضن هذا المتحد من العنصرين ويتكامل معه في مركب واحد، فتحدث توليفة واحدة من الحُبّ والرحمة والصفح، وتغدو ثلاثة روافد تغذي نهراً واحداً، تمتزج مياهها معا لتصير ماء واحداً.
ولفت الرفاعي إلى أن بعض الفلاسفة تناولوا الحُبّ بوصفه قادراً على تطهير الذات من مرارات الكراهية، وإطفاء شعلة الانتقام، وجمعهم الاتفاق على أن الحُبّ قوة متسامية تحرّر الإنسان من عنف الأحقاد والضغائن، فالحُبّ يمنح الإنسان ثقة هائلة بذاته، وبقدرته على إخماد ما يؤجّج الغضب في نفسه، وبعث السلام الداخلي الذي يمكّنه من التغلب على انفعالاته الحادة، كونه طاقة إيجابية فعّالة، تحرر الإنسان من العبء النفسي للغضب، وتطفئ نار الكراهية، وتمنحه القدرة على التسامي والاستغناء عن الاقتصاص بالعفو، والابتعاد عن التشفي بما يصيب الغير من نكبات.
وأكد، أنّ الحُبّ لا يجعل الإنسان ضعيفاً، بل يجعله قوياً بما يكفي، ليتحكم بما يغرقه من انفعالات متّقدة، ربما تزجّه في الفتك بمَن يؤذيه، والحُبّ يوقظ الإنسان على ما تتركه الانفعالات من آثار مريرة على سلامه الداخلي، عندما ترتدّ إليه لاحقاً فتعذّب ضميره. وقوة تطهر قلب الإنسان من سموم الكراهية، وتحقق التوازن في الشخصية بين العاطفة والعقل والروح، ويعمل بفاعلية على إحداث الانسجام العميق بين الفرد والآخر، وبين الإنسان وعالمه. الحُبّ طاقة تغذّي الأخلاق والمعرفة والتنوع الديني والإثني والثقافي. الحُبّ يحرّر الذات من شعورها بوحشة الوجود، وبغربتها في العالم الذي يعيش فيه الإنسان. بالحُبّ يتكشف جمال الوجود في تجلياته المتنوعة، وتسود علاقات تبتني على الاحترام المتبادَل مع المختلِف في المعتقَد، بدلاً من نبذه، أو التسلط والهيمنة عليه. الحُبّ ينقذ مشاعر الإنسان من دوافع الانتقام، ويجعله قادراً على الصفح عن كلِّ من أساء إليه، والبداية من جديد، حتى لو لم تندمل الجروح التي أحدثها المعتدي في داخله.
ويرى أن ردود الأفعال العدوانية مزعجة جداً، غير أن الإنسان يتعلم من الشخصيات المنفعلة أشياء لا يتعلمها من الشخصيات المهذبة. فالشخصيات المهذبة تشعرك بالأمن والدفء والحنان والمحبّة. والشخصية العدوانية تستفز كلَّ شيء فيك، عندما يُستفَز الإنسان يكون قادراً على اكتشاف ذاته وإنقاذها، وتتطور مهاراته في التعامل مع أصعب البشر. أخطر ما يقوض الحُبّ ردود الأفعال العدوانية المتعجلة، وظيفة الحُبّ تحرير الإنسان وتطهير قلبه من الانفعال العدواني والانتقام والتشفي.
أخبار ذات صلة