القدس المحتلة– بدت الجبهة الإسرائيلية في حالة إرباك، وذلك في ظل توسيع حزب الله هجماته الصاروخية لتصل إلى العمق الإسرائيلي، في حين يتعثر الجيش الإسرائيلي في عملية التوغل البري الحدودي مع جنوب لبنان، وسط التصدي والمعارك المحتدمة مع المقاومة.

زادت القوة الصاروخية للمقاومة من تعقيدات المشهد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وذلك بعد أن تمكن حزب الله، مساء أمس الأحد، من إطلاق سرب من الطائرات المسيرة المفخخة، وفشلت المنظومة الدفاعية لسلاح الجو الإسرائيلي في اعتراضها.

وتمكنت مسيرة واحدة لحزب الله من التحليق في الأجواء الإسرائيلية قرابة 60 كيلومترا والتخفي عن الرادارات، والتسلل إلى قاعدة لواء “غولاني” قرب بنيامينا جنوبي حيفا والانفجار، مما أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة نحو 60 آخرين.

ومع تصاعد وتيرة الرشقات الصاروخية التي تطلق يوميا من الأراضي اللبنانية ويصل مداها إلى ما بعد حيفا، وتحقق إصابات مباشرة خاصة بالمنشآت العسكرية، بدت مقاومة حزب الله للتصدي للغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان أكثر شراسة وإيلاما للجيش الإسرائيلي.

وسط حالة الإرباك وتعزيز المخاوف من عدم جاهزية الجبهة الداخلية، ثمة من يعتقد من المحللين الإسرائيليين أن هذه التطورات الميدانية، واستعادة حزب الله لقدراته الصاروخية وقوة الردع، ساهمت بخلط أوراق المؤسسة الإسرائيلية بشأن الإستراتيجية الموضوعة لسيناريو حرب لبنان الثالثة.

كما رأى محللون أن هذه التطورات ومع تراجع نجاعة وفعالية الإنجازات التكتيكة لتل أبيب في الاغتيالات، يلزم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إعادة النظر بالحسابات الإسرائيلية في لبنان.

الشرك اللبناني

من الواضح أن هذه الظروف قد تسمح لإسرائيل بالسعي نحو تسوية سياسية جديدة، بوساطة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومحاولة إنهاء الحرب في الشمال في غضون أسابيع قليلة، لكن يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل “من المشكوك فيه أن يكون هذا هو ما سيحدث”.

ويعتقد المحلل العسكري أن هذه التطورات تخدم رؤية نتنياهو والمعروفة بـ”الحرب الأبدية”، مما يعني أن الهجمات الإسرائيلية على لبنان ستزداد شراسة، بوجود ائتلاف إلى جانبه يروج لأفكار خطيرة، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم مشاكل إسرائيل ويورطها في حرب إقليمية.

ويكشف ما يظهر الآن من الترسانة والقدرات الصاروخية لحزب الله، وفقا للمحلل العسكري، أن “حجم التهديد الذي تم إعداده في جنوب لبنان كان أشد خطورة من ذلك الذي تم إعداده في قطاع غزة، وعليه من المرجح أن رؤساء المجالس وسكانها سيطالبون الجيش الإسرائيلي بمواصلة التوغل في الداخل، بشكل أعمق في جنوب لبنان، من أجل إزالة المخاطر الإضافية”.

ولكن الخوف على صعيد الجبهة الشمالية مع لبنان أن خلف كل قطاع من القرى التي سيتم التوغل بها في الجنوب اللبناني، تهديدا آخر، فثمة المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات التي يصل مداها إلى 10 كيلومترات، والمزيد من صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى، والمزيد من قواعد قوة وحدة الرضوان، مما يعني الوقوع في الشرك اللبناني.

الحرب الأبدية

وتعليقا على الأنباء بشأن التوافق ما بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ونتنياهو على وقف الغارات على العاصمة بيروت، رجح المحلل ذاته أن ذلك يعود لسياسة الاقتصاد بالذخيرة، ويندرج ضمن تحضيرات سلاح الجو الإسرائيلي لضرب أهداف في إيران.

وقال المحلل العسكري “من المثير للاهتمام أنه حتى الولايات المتحدة يبدو أنها لا تضغط حاليا على إسرائيل للإسراع بإنهاء الحملة العسكرية في لبنان، وهذا بالطبع يخدم رؤية نتنياهو لحرب بلا نهاية، فالهجمات الصاروخية تحولت لواقع في حياة الإسرائيليين، حيث يتعرض ثلث أراضي البلاد للقصف بالصواريخ والقذائف كل يوم ولا أحد يكترث”.

كما يبدو أن إدارة بايدن “التي حاولت -حتى وقوع اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله- فرض وقف فوري لإطلاق النار على الأطراف، توصلت إلى نتيجة مفادها أنه سيكون من الصعب إملاء خطوة مماثلة الآن، والتي من شأنها إحداث هزة في النظام السياسي اللبناني، وخلق حالة من الفوضى يتحكم بها حزب الله”.

وتعتقد مراسلة القناة 12 الإسرائيلية للشؤون العربية والشرق أوسطية، سابير ليبكين، أن الهجمات الصاروخية النوعية التي يشنها حزب الله، واتساع مدى النيران وإطلاق الصواريخ والمسيرات، يلزم إسرائيل بإعادة حساباتها بشأن الإستراتيجية وسير الحرب على الجبهة مع لبنان.

ورجحت المراسلة الإسرائيلية أن هجوم المسيرة على قاعدة لواء “غولاني” جنوبي حيفا، وتصاعد وتيرة الرشقات الصاروخية بالعمق الإسرائيلي بإطلاق مئات الصواريخ يوميا، هو محاولة من حزب الله لفرض معادلة جديدة في القتال جوهرها “مصير حيفا كمصير كريات شمونة”.

وتضيف سابير أنه يجب أن يكون واضحا أن “التسوية ليست على جدول الأعمال حاليا، لا يوجد لأي شخص خطوط عريضة للتسوية أو اليوم التالي للحرب لا في غزة ولا في لبنان. ولم يحن الوقت بعد لتحقيق ذلك. حزب الله يحلم بالفعل بوقف إطلاق النار، ولكن فقط إذا وافقت إسرائيل على العودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701، وليس إلى القرار السابق رقم 1559 الذي نص على نزع سلاحه”.

نزع القفازات

من جهته، بدا البروفيسور إيال زيسر -الخبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب رئيس جامعة تل أبيب- أكثر وضوحا حيال الإستراتيجية الإسرائيلية بشأن لبنان عقب الهجمات النوعية لحزب الله، ويعتقد أن “إسرائيل ملزمة بإعادة النظر في الإستراتيجية، وضرب دولة لبنان إذا أرادت هزيمة حزب الله”.

وبرر الخبير في شؤون الشرق الأوسط هذا الطرح في مقال له في صحيفة “إسرائيل اليوم”، قائلا إن “حزب الله ورغم الضربات التي تلقاها من إسرائيل، ما زالت لديه القدرة لتشكيل تهديد إستراتيجي على إسرائيل، وما زال يحظى بدعم مختلف الطوائف في لبنان”.

ويعتقد الخبير الإسرائيلي أن حزب الله لديه أيضا عمق إستراتيجي مع الشرق الأوسط، وهو العمق الذي لا تمتلكه حركة حماس، وبالطبع، يضيف زيسر “لديه التواصل الجغرافي مع سوريا المجاورة التي توصل إليه شحنات الأسلحة من إيران”.

وخلص للقول “على إسرائيل أن تنزع قفازاتها وتهاجم لبنان أيضا، سواء الجيش والمؤسسات الحكومية وكذلك البنية التحتية التي يستخدمها حزب الله. ليس من أجل الانتقام أو من أجل تحقيق الردع، ولكن كجزء من إدارة ذكية ومنظمة للحملة العسكرية ضد حزب الله”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version