شمال سوريا- يزداد المشهد الميداني في شمال شرقي سوريا تعقيدا مع استمرار المعارك المحتدمة بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ذات الغالبية الكردية ومقاتلي العشائر العربية، تزامنا مع اتساع رقعة الاشتباكات في محافظة دير الزور وتصعيد الطرفين عسكريا.
وانطلقت شرارة الصراع عقب اعتقال “قسد” الأسبوع الماضي قائد “مجلس دير الزور العسكري” أحمد الخبيل بتهم تتعلق بالفساد ومن ثم اعتقال قياديين آخرين من أبناء العشائر العربية، ما ينذر بتصاعد الصراع مع دعوات زعماء العشائر إلى حمل السلاح والقتال.
في الأثناء، يشهد ريف دير الزور الشرقي معارك ضارية بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي العشائر، وتحديدا في بلدات ذبيان والشحيل والحوايج حيث تستقدم “قسد” تعزيزات عسكرية لاستعادة المناطق التي سيطر عليها مقاتلو العشائر.
وأمس الاثنين، امتد القتال ليشمل مناطق بريف محافظة الحسكة وأعلن مقاتلو العشائر السيطرة على قريتي الطركي وتل طويل بعد هجوم على مواقع “قسد” قرب الطريق الدولي “إم 4”.
بين التمرد ورد الفعل
وتصف “قسد” الحراك العشائري بأنه “تمرد مسلح يقوده شيخ قبيلة العكيدات السورية إبراهيم الهفل بشكل شخصي، إضافة إلى حديث وسائل إعلام محسوبة عليها بأنها تشن حملة أمنية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات أرسلها النظام السوري إلى المنطقة”.
في المقابل، يعتبر أهالي المناطق “المنتفضة ضد قسد” أن الحراك “رد فعل على تعديات “قسد” عليهم بإقصاء العنصر العربي وفرض التجنيد الإجباري”، وحملوها مسؤولية تردي أوضاع السكان المعيشية.
وأفاد شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل بأن مقاتلي العشائر تمكنوا من تحرير منطقة تمتد من بلدة الباغوز إلى أطراف بلدة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، إثر معارك عنيفة مع عناصر “قسد”.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن القتال “مستمر حتى السيطرة على بلدة البصيرة وتحقيق النصر”، معلنا عدم وجود أية مفاوضات حتى الآن بين الطرفين لإيقاف القتال سواء من قبل التحالف الدولي أو أي أطراف دولية أخرى.
ويطالب الهفل بأن تدير مجالس مدنية وأخرى عسكرية بدعم من قوى التحالف الدولي، المناطق في دير الزور بعد رحيل قوات سوريا الديمقراطية عن المنطقة.
تحالف دولي صامت
في الأثناء، اتخذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة موقفا أقرب إلى الحياد بدعمه لجهود التهدئة ورفض التصعيد العسكري، مع تركيز الجهود على قتال تنظيم الدولة الإسلامية وإطلاق التحذيرات من عودته إلى شمال شرقي سوريا.
وقال التحالف في بيان “ما زلنا نركز على العمل مع قوات سوريا الديمقراطية لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، دعما للأمن والاستقرار الإقليميين”، وهو ما يفسره الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، بأن قوات قسد “تمكنت من إقناع التحالف الدولي بروايتها، لكنه يرى أن التحالف لا يمكنه التدخل.
واعتبر حوراني في تصريح للجزيرة نت أن التحالف الدولي “على دراية بالمظالم والمطالب التي قدمها له زعماء العشائر في شمال شرق سوريا منذ عام تقريبا، دون أن يتم تحقيق أي منها”.
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي أن التحالف الدولي “مازال يتخذ موقفا صامتا ويقوم حتى اللحظة باستطلاع الآراء واستمزاجها في وقت تمر فيه قوات سوريا الديمقراطية من مناطق انتشاره نحو ريف دير الزور المنتفض”.
وحذر علاوي -في حديث للجزيرة نت من أن الوضع الإنساني في تلك المناطق يتجه نحو الأسوأ مع فرض “قسد” الحصار على المناطق التي سقطت بيد مقاتلي العشائر، وفرض حظر التجوال على مناطق قريبة من جبهات القتال.
سيناريوهات الصراع
ورغم سيطرة مقاتلي العشائر على بلدات، تصر “قسد” على إعادة إحكام قبضتها على تلك المناطق بالنظر لما تملكه من إمكانيات عسكرية من حيث العتاد وأعداد المقاتلين، فضلا عن الدعم الذي تلقته على مدار سنوات من قوى التحالف.
ويؤكد أهالي من عشائر دير الزور للجزيرة نت عدم تراجعهم حتى تحقيق مطالبهم في “التخلص من سلطة “قسد” وإقامة مجالس محلية مدنية يقودها سكان المنطقة”.
بينما يقول الباحث حوراني، إن “قسد عازمة على إسكات الحراك باستخدام أقصى درجات القوة ويظهر ذلك بشكل أوضح بعد بيان قوة المهام المشتركة المؤيدة لها”.
وشدد حوارني على أن مقاتلي العشائر “وبعد أن خبروا سياسة قسد”، لن “يسمحوا لها بالعودة لما كانت عليه سابقا في مناطقهم وأنهم سيعملون على تحصيل مكتسبات يمكن تسميتها بإدارة ذاتية خاصة بدير الزور، إن تمكنت العشائر من تقديم الكفاءات الإدارية والقيادية ضمن مناطق شرقي الفرات”.