تونس- أرجع مراقبون فوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية بنسبة تفوق 90% من مجموع الأصوات، في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد، إلى أسباب عديدة، منها مقاطعة العديد من الأحزاب السياسية للانتخابات، فضلا عن تواصل شعبية سعيد لدى جزء هام من الناخبين، واستمرار أزمة الثقة بالأحزاب.
وأعلنت هيئة الانتخابات مساء الاثنين خلال مؤتمر صحفي عن فوز الرئيس سعيد بأكثر من مليوني و430 ألف صوت، من جملة ما يزيد عن مليوني و808 آلاف مقترع، أي بنسبة 90.69% من الأصوات، مما يعني أن سعيد سيبقى موجودا على رأس السلطة لولاية أخرى تدوم 5 سنوات.
في المقابل حل في المركز الثاني منافسه العياشي زمال رئيس حزب عازمون حديث التأسيس، والمسجون بتهم تتعلق بتزوير تزكيات الناخبين، ينفيها بدوره، وحصل على نسبة 7.35% من الأصوات، بينما لم يتخط زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب، ذات التوجه القومي الناصري، معدل 2% من الأصوات.
فوز متوقع
في قراءته التحليلية لنتيجة الانتخابات الرئاسية، يقول الناشط السياسي المعارض عبد الوهاب معطر إن فوز سعيد كان متوقعا، خصوصا في ظل حملة مقاطعة العديد من الأحزاب المعارضة، مقابل محافظة الرئيس سعيد على خزانه الانتخابي.
ويؤكد معطر للجزيرة نت أن عدد المقترعين المناصرين للرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية الحالية تقارب نسبة المشاركين في عملية الاستفتاء على الدستور الذي صاغه سعيد بنفسه في يوليو/تموز سنة 2022 والتي ناهزت حوالي 30%، مستبعدا وجود عملية تزوير بهذه الانتخابات الرئاسية.
وكانت 5 أحزاب يسارية لا تمتلك خزانا انتخابيا قويا قد أعلنت مقاطعتها الانتخابات، لكن الأمر الذي أحدث فارقا نوعا ما هو عزوف قواعد حركة النهضة الإسلامية الأكثر امتدادا وشعبية في البلاد عن التصويت لصالح منافسي سعيد، شأنهم شأن أنصار الحزب الدستوري الحر سليل الحزب الحاكم السابق.
وبالاستناد إلى بعض نتائج مكاتب الاقتراع خاصة في محافظة صفاقس أكبر المدن كثافة سكانية بعد العاصمة تونس، يقول معطر إن النتائج الحقيقية “ليست مزورة مثلما يقع ترويجه في بعض أوساط المعارضة”، مبينا أنه كان هناك توجه ملموس لدى جزء هام من المقترعين للتصويت لصالح قيس سعيد.
ولم يقتنع معارضو الرئيس سعيد بفوزه بتلك النسبة العالية، ذلك أنهم كانوا يعتقدون أنه لا يمتلك سوى 10% من الأصوات، أي ما يقارب 900 ألف صوت، وعبر بعضهم ساخرا أن الرئيس سعيد بات نسخة مطابقة للرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي كان يحقق فوزا بالانتخابات بأكثر من 90%.
ومما زاد في تعميق شعورهم بوجود شبهة تزوير نشر نتائج استطلاع للرأي في التلفزيون الرسمي عقب إغلاق مراكز الاقتراع مساء أمس، حيث كانت قريبة من النتائج الأولية، واعتبر المعارضون أن الغاية من نشر هذه النتائج من قبل إحدى الشركات الخاصة يعد محاولة للتأثير على الرأي العام ودفعه للاستسلام والقبول بنتائج الانتخابات.
استبعاد التزوير
لكن الناشط معطر يقول “بكل موضوعية أستبعد حصول تزوير، هذه حقيقة يجب الوقوف عليها”، معتبرا أن المقاطعة كانت سببا رئيسيا في فوز سعيد بعهدة ثانية، وأشار إلى أن المعارضة كانت تعول على وعي الناخبين بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لطي صفحة سعيد، “لكن ذلك الأمر لم يحدث”.
ويرى معطر أن اكتساح الرئيس سعيد لنتائج الانتخابات الرئاسية مرده “قلة وعي” لدى عموم الناس بحقيقة الأوضاع المتدهورة، من انقطاعات للمواد الأساسية وغيرها، رغم تأثرهم بها، كما زاد من فرصة نجاحه تصويت كبار السن المقبلين بكثافة على الانتخابات بحجة أنه “نظيف اليد”، مقابل تراجع ثقتهم في الأحزاب.
ويرى معطر أن وجود حالة السخط على الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد خلال العقد الماضي، واتهامها من قبل جزء من المواطنين بـ”تخريب البلاد”، دفع أغلب المقترعين لانتخاب سعيد، وسط غياب بديل، وعدم استرجاع الأحزاب ثقة المواطنين.
ومن وجهة نظره، فإن استمرار سعيد على رأس السلطة لولاية ثانية “سيكون له تداعيات سيئة على الديمقراطية والحريات”، إذ لا يستبعد معطر أن يواصل الرئيس في مسار الحكم الفردي وإقصاء الأحزاب وضرب الحريات وتدهور الأوضاع، وفق رأيه.
“ماكينة انتخابية”
من جانبه يقول رمزي الجبابلي مدير حملة المرشح المسجون العياشي زمال، إن فوز الرئيس سعيد بتلك النسبة العالية “يثبت بصفة لا تدعو إلى الشك وجود ماكينات انتخابية عملت لصالحه حتى يكتسح النتائج”.
ويؤكد للجزيرة نت أن حصول العياشي زمال على نحو 197 ألف صوت يثبت أنه “لا تقف وراءه أي ماكينة انتخابية، سواء من حركة النهضة الإسلامية أو الحزب الدستوري الحر، مثلما روج لذلك أنصار سعيد”، مؤكدا أن زمال ليست له سوى حملته الوطنية.
ويضيف أن الأحزاب الكبرى التي تقبع قياداتها في السجون، على غرار حركة النهضة وحزب الدستور الحر، كانت لديها فرصة للاصطفاف وراء المرشح العياشي زمال بوصفه سجينا سياسيا مثلهم، “لكنها اختارت المقاطعة، إما في إطار صفقة مع الرئيس، أو كتوجه إستراتيجي للتموقع ضده وعدم الاعتراف بشرعيته” حسب قوله.
من جهة أخرى، استنكر الجبابلي بث نتائج استطلاع الرأي مساء الأحد على التلفزيون التونسي الرسمي، وهو ما كشف عن فوز الرئيس سعيد بنسبة تقارب 90% من الأصوات، معتبرا أن ذلك مخالف للقانون الانتخابي، وفيه محاولة لتهيئة الرأي العام بفوز ساحق لسعيد قبل الإعلان عن النتائج الأولية من قبل هيئة الانتخابات.
المرحلة المقبلة
وحول تداعيات فوز سعيد على المشهد السياسي التونسي خلال الفترة القادمة، أعرب الجبابلي عن أمله في حصول تهدئة سياسية بإطلاق سراح المساجين السياسيين، ومن ضمنهم المرشح العياشي زمال، بيد أنه قال إن المعارضة والمجتمع المدني ستواصل نضالها السلمي لاستعادة الديمقراطية وإطلاق سراح المساجين.
من جهة أخرى، اعتبر أنصار الرئيس سعيد أن فوزه بنسبة مرتفعة من الأصوات دليل على استمرار ثقة الناس فيه، حيث يقول رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري إن توجه الناخبين للتصويت دليل وعي بأهمية العملية الانتخابية، ودليل إدراك بدورهم لرسم حاضر ومستقبل البلاد.
ويؤكد أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي بلغت 28.8% “محترمة، ولم يحصل تسجيلها حتى في أكبر الديمقراطيات” حسب قوله، معتبرا أن التصويت للرئيس سعيد يتضمن رسالة أن “الناخبين أحرار، ولا يتأثرون بالصفحات المشبوهة التي أرادت تشويه سمعة سعيد، وأنهم ما زالوا يعلقون آمالا كبيرة عليه لتحسين الأوضاع في البلاد”.