انتقدت كاتبة وناشطة يهودية تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقا على أحداث العنف التي شهدتها مدينة أمستردام، يوم الجمعة قبل الماضي، على هامش مباراة في كرة القدم بين فريقي مكابي تل أبيب وأياكس الهولندي.

واشتعلت شرارة العنف في العاصمة الهولندية عندما رفض مشجعو الفريق الإسرائيلي الوقوف دقيقة حدادا على أرواح ضحايا فيضانات إسبانيا بسبب مواقف الأخيرة المتضامنة مع فلسطين.

وانتقلت الاضطرابات إلى شوارع المدينة، مما أسفر عن إصابة ما بين 20 و30 من مشجعي مكابي تل أبيب إثر تعرضهم لهجوم من مجموعات لبّت، حسب الشرطة، دعوات انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي تعليقه على تلك الأحداث، عمد نتنياهو إلى تشبيه ما جرى في أمستردام في ذلك اليوم بليلة “الكريستال ناخت” -وتعني ليلة الزجاج المهشم- وهو مصطلح يُحيل إلى عمليات نظمها ونفذها النازيون ضد مصالح وبيوت يهودية في ألمانيا يومي 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938. وقال إن النازيين استهدفوا اليهود لمجرد كونهم يهودا.

وكتبت إيم هيلتون -وهي ناشطة يهودية مقيمة في لندن- مقالا في مجلة “972+” الرقمية الإسرائيلية حاولت فيه تفكيك وتحليل تصريح نتنياهو. وانتقدت، في السياق، وسائل الإعلام الغربية البارزة وقادة دوليين لتبنيهم الفوري للرواية التي وصفت الاضطرابات بأنها “أحداث عنف واضحة معادية للسامية”.

وقالت إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ وصفها بأنها “بوغروم” (مذبحة مدبرة)، وهي لفظة تستخدم للإشارة إلى الاعتداءات والمجازر التي تعرض لها اليهود في ظل الإمبراطورية الروسية في القرن الـ19. كما اعتذر الملك الهولندي لهيرتزوغ -بعد يوم من المباراة- قائلا “لقد خذلنا الجالية اليهودية في هولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي الليلة الماضية فشلنا مرة أخرى”.

وأشارت هيلتون -وهي مسؤولة كبيرة في تحالف الشتات اليهودي في بريطانيا، وأحد مؤسسي منظمة يهود بريطانيون ضد الاحتلال- إلى أن باحثين في معاداة السامية والإبادة الجماعية والتاريخ اليهودي كانوا قد حذروا، في أعقاب طوفان الأقصى، من الأساليب التي استُخدمت لاستحضار أحداث مؤلمة في التاريخ اليهودي لتبرير الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وقمع من ينتقدها.

وذكرت أن الباحث في مجال معاداة السامية بريندان ماكجيفر أكد بجلاء أن أحداث أمستردام لم تكن مذبحة مدبرة (بوغروم). واعتبرت كاتبة المقال أن انتشار هذا المصطلح وغيره من المصطلحات المشابهة، التي استخدمت عقب اضطرابات الأسبوع الماضي، لم يؤدِّ إلا إلى التشويش على اضطرابات أمستردام، وأنه تكتيك سائد يلجأ إليه اليمين المتطرف لإشاعة الفوضى والخوف لترسيخ رؤيته للعالم.

ووفقا لهيلتون، فإن هذا الاستغلال لهواجس اليهود مثير للقلق، في وقت تتزايد فيه معاداة السامية الحقيقية ويشعر فيه الشعب اليهودي خاصة بالتهديد في جميع أنحاء العالم.

فأي نوع من السياسة ذلك الذي تخدمه تلك الأحداث والخطاب المحيط بها؟ تتساءل الناشطة اليهودية، وتعلق بأن من مصلحة الحكومة الإسرائيلية تكييف العنف على أنه مدفوع فقط بالعنصرية المعادية لليهود، مما يتيح لها إجهاض أي محاولة لربطه بحرب الإبادة الجماعية في غزة، حسب قولها.

ما حدث في أمستردام لا يتعلق في معظمه بمعاداة السامية، بل بتصاعد الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والعنصرية في أوروبا بشكل سريع

وأضافت أن ذلك هو ما يجعل القادة الإسرائيليين يصرون على تأكيد الفرضية الصهيونية القائلة بأن إسرائيل هي المكان الوحيد الآمن لليهود، وأن المسلمين والعرب يشكلون تهديدا وجوديا لهم أينما ثُقفوا.

وأعربت عن اعتقادها بأنه كلما طال أمد الحرب في غزة، زاد احتمال أن يستمر العداء للإسرائيليين في الخارج في تأجيج العنف، وأن يمتد إلى معاداة السامية بحيث يصبح احتواؤه -بعد ذلك- أصعب.

ومع ذلك، لا يزال جوهر المشكلة مفقودا، وفق هيلتون التي ترى أن ما حدث في أمستردام لا يتعلق في معظمه بمعاداة السامية، بل بتصاعد الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والعنصرية في أوروبا بشكل سريع.

وقالت إن الحقيقة “البشعة” بعد أقل من قرن من مطاردة وإبادة اليهود من قبل النازيين وحلفائهم هي أن الاهتمام باليهود اليوم يخدم طموحات اليمين المتطرف، الذي يستخدم مخاوفهم “هراوة” ضد المسلمين والعرب والمهاجرين من دول الجنوب.

وأضافت أن على اليهود أن يتذكروا أن اليمين المتطرف ليسوا حلفاءهم، “فحتى لو لم نكن نحن الهدف الحالي لغضبهم، فإن معاداة السامية لطالما أذكت القومية البيضاء وتفوق العرق الأبيض”.

استخدام مخاوف اليهود باعتبارهم كبش فداء ضد الأقليات الأخرى لن يؤدي إلا إلى زيادة إحساسهم بعدم الأمن

وخلصت إلى أن استخدام مخاوف اليهود باعتبارهم كبش فداء ضد الأقليات الأخرى لن يؤدي إلا إلى زيادة إحساسهم بعدم الأمن؛ ولذلك عليهم أن يبحثوا بشكل عاجل عن سبل جديدة لضمان سلامتهم بالتضامن مع المجتمعات المهمشة الأخرى وليس بمعارضتها.

وختمت بالقول إن على اليهود مواجهة الحقيقة وهي أنه بعد أكثر من 400 يوم من ارتكاب الجيش الإسرائيلي “الإبادة الجماعية” في قطاع غزة، فإن الدعم الذي تحظى به إسرائيل في أوروبا لا يعدو أن يكون مشروعا سياسيا داعما لليمين المتطرف داخل دولة الاحتلال.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version