ما يحدث في محيط غزة حاليا يفوق الخيال بالنسبة لكثير من المحللين، لكن حرب “طوفان الأقصى” لم تأت من العدم؛ فقد نسي الجميع أمر الفلسطينيين خاصة في العقدين الأخيرين، كما يقول تقرير لموقع فوكس الأميركي المحسوب على تيار اليسار الليبرالي التقدمي.
بين عشية وضحاها، شن مقاتلو المقاومة الفلسطينية هجوما غير مسبوق عبر الحدود الجنوبية لإسرائيل مع غزة، واقتحموا المستوطنات وقتلوا إسرائيليين وأخذوا رهائن وأسرى، وأطلقوا آلاف الصواريخ على إسرائيل، وقال مسؤول كنيست إن الهجمات أدت لمقتل أكبر عدد من الإسرائيليين في يوم واحد في تاريخ البلاد بأكمله، وبالمقابل أدت الغارات الجوية الإسرائيلية الانتقامية إلى مقتل مئات الفلسطينيين.
ويقول “زاك بوشامب” كبير مراسلي موقع فوكس، إن شيئا من هذا القبيل لم يحدث في التاريخ الحديث للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وحتى الانتفاضة الثانية “الدموية” في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 لم تشهد قط هذا النوع من التوغل الجماعي داخل “الأراضي الإسرائيلية”.
ويضيف الكاتب “لقد بدأت للتو حرب واسعة بين إسرائيل وحماس، وهي الحرب التي لا نستطيع أن نتوقع عواقبها على الصراع والشرق الأوسط بأكمله سوى بشكل محدود، لكن الشيء الوحيد الذي يمكننا التأكد منه مستقبلا هو أن الكثير من الناس على شفا الموت”.
ثغرة إسرائيلية صادمة
تمكنت حماس من تنفيذ هجوم مذهل على عدة جبهات، ليس فقط بإطلاق قذائف الهاون والصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، بل أيضا بشن غزو جوي وبحري. وهذا التسلل، كما لاحظ العديد من الخبراء، يعد صادما بشكل خاص نظرا لخبرة جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد والرقابة المشددة التي يعيش تحتها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية خاصة مع التحكم بمفاصل أساسية مثل نقاط التفتيش للدخول إلى الأراضي الفلسطينية والخروج منها.
وقال كولين كلارك، مدير الأبحاث في مجموعة سوفان، وهي شركة استشارات استخباراتية وأمنية عالمية، لموقع فوكس؛ “يفخر الإسرائيليون بامتلاكهم معلومات استخباراتية على مستوى عالمي، استنادا على أجهزة الموساد، والشين بيت، والمخابرات العسكرية الإسرائيلية”، ويمتلكون قدرات من قبيل “المصادر البشرية والقدرات التقنية الأكثر قدرة على جمع المعلومات الاستخبارية (بما في ذلك) الاستخبارات السيبرانية وإمكانات التتبع”.
وجعلت ثقافة المراقبة الشديدة هذه من التسلل غير المسبوق الذي حدث السبت الماضي أكثر إثارة للصدمة، وبدت حقيقة أن حماس كانت قادرة على تنفيذ عملية بهذا الحجم والتعقيد -ناهيك عن التسلل إلى إسرائيل واحتجاز الرهائن، كما أفادت التقارير- لم يكن من الممكن تصورها قبل يوم السبت. ومع ذلك، تسلل المقاتلون إلى ما يصل إلى 22 موقعا إسرائيليا على بعد 15 ميلا (قرابة 24 كيلومترا) من حدود غزة مع إسرائيل.
ثورة على الحصار
وقالت ديانا بوتو، المحللة المقيمة في حيفا والمستشارة القانونية السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية والمفاوضين الفلسطينيين، لموقع فوكس، إن العديد من الفلسطينيين كانوا مبتهجين في بداية الهجمات.
وأضافت “عندما تضرب المعتدي على وجهه، فهذا شعور جيد”، وتابعت “كان رد الفعل الأول هو الابتهاج، وقد رأينا ذلك في كل من غزة والضفة الغربية، وفي رام الله كان الناس سعداء للغاية لأنه لم يكن مجرد لكمة في الوجه، ولكن أيضا لأن حماس تمكنت من انتهاك الدولة الأمنية التي تحدد حياة الكثير من الفلسطينيين”.
وعلقت زها حسن، محامية حقوق الإنسان وزميلة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن معظم سكان غزة إما لاجئون من نكبة عام 1948، عندما نزحت أعداد كبيرة من الفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية، أو من نسل هؤلاء اللاجئين.
وتابعت “لقد عاشوا في ظل حصار صارم من قبل إسرائيل ومصر، ويعتمدون على المساعدات الخارجية للوصول إلى الضروريات الأساسية”، ويعيش حوالي ثلث سكان غزة في فقر مدقع وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني. وتابعت أن تواصل سكان غزة مع العالم الخارجي صعب للغاية.
وأضافت حسن أن كل ذلك مثّل رسالة مهمة للفلسطينيين مفادها “أنهم لا يستطيعون انتظار منقذ عربي ما، ولا يمكنهم انتظار قيام حكومة الولايات المتحدة بدور وسيط السلام؛ حيث سيتعين عليهم أن يتولوا أمورهم بأنفسهم، أيا كان ما يعنيه ذلك”.
لماذا بدأت الجولة الكبيرة؟
يقول المحرر إن من بين أسباب اختيار حماس شن الهجوم الآن: الاحتلال الإسرائيلي المستمر وتصاعد الصراع في القدس والضفة الغربية، وحكومة أقصى اليمين الإسرائيلية، وحتى جولات التطبيع العربي مع الاحتلال.
ويضيف أنه ما دامت إسرائيل تستمر بحكم السكان الفلسطينيين، فإن العنف سوف يستمر والتصعيد لا مفر منه، ويضيف أن الطريقة الحقيقية الوحيدة لمنع حدوث مثل هذا النوع من القتال، تتلخص في توصل الجانبين إلى حل مقبول للطرفين يعالج الأسباب الجذرية للعنف. لكن أي حل يبدو بعيد المنال حاليا.
ويقول تقرير آخر لموقع فوكس إن تعريف السياسة الفلسطينية، يجري إلى حد كبير، من خلال كيفية تعاطي القيادات الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي المستمر، سواء الاحتلال في الضفة الغربية أو الحصار المدمر اقتصاديا على قطاع غزة.
ويضيف أن الإستراتيجية التي تتبناها حماس في التغلب على منافسيها، بما في ذلك حركة فتح التي تدير السلطة الفلسطينية، تتلخص في توجيه الغضب الفلسطيني لحمل معاناتهم بأن تكون الصوت الحقيقي لمقاومة إسرائيل والاحتلال. وكلما زاد غضب الفلسطينيين تجاه إسرائيل، كلما تعاظمت الحوافز السياسية التي تدفع حماس إلى القتال.
انتهاكات إسرائيلية
وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية الكثير من الاعتداءات الإسرائيلية، بما في ذلك بالقدس، وتقوم الحكومة اليمينية المتشددة الحالية في إسرائيل -والتي تهيمن عليها مجموعات سياسية تعارض اتفاق السلام مع الفلسطينيين- بضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، وتغض الحكومة الإسرائيلية الطرف عن عنف المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك ما وقع في فبراير/شباط الماضي في بلدة حوارة .
وربما يكون تركيز إسرائيل على الضفة الغربية قد خلق أيضا فرصة عملياتية مناسبة لحماس، كما يقول التقرير، ووفقا لعوزي بن إسحق، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، فقد نشرت الحكومة الإسرائيلية معظم قوات جيش الدفاع الإسرائيلي النظامية في الضفة الغربية للسيطرة على الوضع هناك، ولم يتبق سوى قوة رئيسية وحيدة متمركزة على حدود غزة. وهكذا أدت الجهود الإسرائيلية لتأمين السيطرة الدائمة على الضفة الغربية إلى تهيئة الظروف التي يمكن أن ينجح فيها هجوم مفاجئ لحماس.
إن تصاعد التوتر في القدس والضفة الغربية، وضعف أمن الحدود، والوضع السياسي العربي الذي أصبح غير مناسب للفلسطينيين أكثر فأكثر، كل هذه الظروف تجعل من المنطقي لحماس من الناحية الإستراتيجية أن تقوم بهذه المخاطرة الضخمة.
الوصول إلى حافة الهاوية
في عام 2005، سحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة من جانب واحد؛ ضمن خطوة “فك الارتباط” والتي كانت تهدف، من الناحية النظرية، إلى إخراج إسرائيل من الإدارة المباشرة للأراضي المأهولة بالسكان الفلسطينيين. ولكن في عام 2007، وفي أعقاب التوترات مع حركة فتح، سيطرت حركة حماس على القطاع بالقوة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأمور أسوأ بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، وفق تقرير الموقع الأميركي.
وفرضت إسرائيل حصارا صارما على غزة، وفرضت قيودا مشددة على تدفق البضائع والأشخاص من وإلى القطاع، مما أدى إلى ترسيخ الاحتلال العسكري. وحفرت حماس أنفاقا تحت الجدار الحدودي لشن غارات عبر الحدود وأطلقت صواريخ على الأراضي الإسرائيلية، وبالمقابل ضربت إسرائيل غزة بشكل دوري بغارات جوية، وغالبا ما كانت تستهدف نشطاء من حماس والجماعات المسلحة الأخرى، ولكنها أصابت حتما المدنيين في قطاع غزة المزدحم.
افتراضات خاطئة
وقد تصاعد الوضع المتوتر بشكل دائم إلى حرب شاملة 4 مرات على الأقل منذ “فك الارتباط” قبل الصراع الحالي. وكانت هذه الصراعات السابقة مروعة بالنسبة للمدنيين (وبالنسبة للفلسطينيين بشكل خاص)، ولكنها لم تشهد قط أي نوع من القتال على نطاق واسع على الأراضي الإسرائيلية كما جرى في الأيام الماضية.
وبقدر ما كان هذا الترتيب قابلا للانفجار، فقد رأت القيادة الإسرائيلية أنه أفضل ترتيب متاح لها. واعتقدوا أن بإمكانهم خفض إطلاق الصواريخ إلى مستوى مقبول، بالاعتماد على نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” بينما تمنع القوات الإسرائيلية والإجراءات الأمنية على الحدود من الاختراقات والغارات الكبرى عبر الحدود.
وتلخصت الإستراتيجية الإسرائيلية بعمليات الاستهداف والاغتيال لقيادات المقاومة، واستعراض القوة لتكبح حماس جماح نفسها وتمتنع عن التصعيد أكثر من اللازم الذي سيجعلها تعاني من حرب حقيقية. وقد أطلق على هذه الضربات الدورية اسم “جز العشب”، في إشارة إلى فكرة مفادها أن “التهديد الإرهابي لا يمكن القضاء عليه بل يمكن تخفيضه إلى مستوى مقبول” وفق الموقع الأميركي.
لكن أحداث الأيام الماضية أثبتت أن هذه الافتراضات كانت خاطئة إلى حد كبير، ولم تردع حماس عن مهاجمة إسرائيل، بل اجتاحت “الأراضي الإسرائيلية”.
ويقول تقرير الموقع إنه إذا كان للماضي أي دلالة، فإن رد إسرائيل سيكون ردعا وليس تناسبا مع هجوم المقاومة الفلسطينية، وستكون الخسائر الفلسطينية فادحة.
وقال دانيال بايمان، زميل بارز في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، لموقع فوكس “لقد حاول نتنياهو في الماضي تجنب القيام بعمليات برية كبيرة في غزة، لأنه يعلم أن الأمر سيكون فوضويا للغاية”. ومع ذلك، فإن وجود مواطنين إسرائيليين في غزة يعقد أي جهد انتقامي، بسبب حساسية هذه القضية في الوعي الإسرائيلي. ويبقى السؤال “هل ستدفعه الديناميكية السياسية إلى ذلك، حتى لو كان ذلك قد يؤدي إلى هزيمة إسرائيل على المدى الطويل؟”.