طهران – رغم بلوغ المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 1+4 (بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين) طريقا مسدودا منذ نحو عام، فإن الملف لم يخرج يوما عن “أجندة” الوساطات الإقليمية والأوروبية الرامية إلی تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن.

وعشية الذكرى الأولى لإعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن إخفاق مبادرته لإحياء الاتفاق النووي في سبتمبر/أيلول الماضي، لخص وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ما توصلت له تلك المفاوضات في ما عبّر عنه “بوثيقة سبتمبر”، مؤكدا في مقابلة مع صحيفة “اطلاعات” الناطقة بالفارسية استعداد بلاده لإكمال المسودة، واتخاذ الخطوة النهائية بشأن التعهدات في الاتفاق النووي.

وكان عبد اللهيان قد كشف -في مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب في بيروت- عن وساطة عمانية بين طهران وواشنطن، واستمرار المفاوضات غير المباشرة لرفع العقوبات، مؤكدا أن “الحوار غير المباشر بين الطرفين بشأن إطلاق سراح السجناء سيساعد في الحوار حول الاتفاق النووي”.

خفض التوتر

يأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان الجانبين الإيراني والأميركي عن صفقة تفرج بموجبها طهران عن 5 معتقلين أميركيين مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، بينما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية “تخفيض طهران في الأشهر الماضية مخزونها من اليورانيوم المخصب”، حسب تقرير غير معدّ للنشر اطلعت عليه وكالة الصحافة الفرنسية.

ويعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي، أن الحديث عن تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن بوساطة عمانية وقطرية إلى جانب صفقة تبادل السجناء، مؤشر إلى خفض التوتر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة.

وأشاد في حديثه للجزيرة نت، بما وصفها بالعقلانية التي تتبناها دبلوماسية بلاده لخفض التوتر وحلحلة القضايا الشائكة مع الأطراف الإقليمية والدولية، بعد توصل السلطات الإيرانية إلى نتيجة مفادها أن العقوبات أثقلت كاهل الشعب، وأن تحسين الوضع المعيشي يمر عبر بوابة حسم الملفات الخلافية مع الآخرين.

ويرى مجلسي أن صفقة تبادل السجناء والإفراج عن جزء من الأصول الإيرانية المجمدة، تأتي في سياق المفاوضات غير المباشرة والوساطات الإقليمية، بهدف التوصل إلى اتفاق غير مكتوب بين طهران وواشنطن، مؤكدا أن أي اتفاق محتمل سيبقى منقوصا، إلا إذا تمكن من تجاوز عقبة أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حيث ستنتهي القيود المفروضة على برنامج إيران الصاروخي، وفق الاتفاق النووي المبرم في 2015.

وفي حال عدم قدرة الجانبين الإيراني والأميركي على تجاوز هذه العقبة، “فإن لجوء الجانب الغربي إلى تفعيل آلية الزناد سيكون السيناريو الأكثر احتمالا، ما سيؤدي إلى نسف جميع التفاهمات التي توصل إليها الجانبان خلف الكواليس”، حسب الدبلوماسي الإيراني السابق.

وحول ما يتعلق بالحديث عن تلميح غربي بالإبقاء على الحظر الصاروخي، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي اليوم الاثنين، “لا نستبق أحداثا يمكن أن تحدث، وإيران لديها جميع السيناريوهات، وسترد على خطوات الطرف الآخر في الوقت المناسب وبشكل مناسب، وعلينا أن نتنظر حلول هذا الموعد”.

تفاهم شفهي

وبشأن طبيعة المساعي الرامية إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، أكد الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أن توصل الجانبين إلى تفاهم شفهي يتضمن إدارة التوتر وملفات أخرى تتجاوز الملف النووي.

ويرى أن التوقيت والظروف لدى كل من إيران والولايات المتحدة غير مناسبين للعودة للاتفاق النووي، وتنفيذ تعهداتهما فيه دون الحصول على امتيازات ملموسة من الطرف المقابل، ما دفع الجانبين إلى تفاهم غير مكتوب يعزز شعبية الإدارة الديمقراطية قبيل رئاسيات 2024 ويخفف وطأة الضغوط المالية والاقتصادية على حكومة إبراهيم رئيسي.

وأضاف فلاحت بيشه أن التطورات الأخيرة التي طرأت على العلاقات بين طهران وواشنطن لا سيما توافقهما على تبادل السجناء، ستنعكس إيجابا على فتح باب التفاوض على مصراعيه من أجل رفع العقوبات عن إيران، موضحا أن المبادرة العمانية والوساطة القطرية ترميان إلى إدارة التوتر واحتوائه بشكل عام، بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة ولا تقتصران على الملف النووي فحسب.

تراجع المناوشات

وبرأي السياسي الإيراني فإنه “ليس من الصدفة أن تتراجع العمليات العدائية بين طهران وواشنطن طوال أكثر من 6 أشهر في الشرق الأوسط، حيث لم تشهد الأوساط الدولية والأممية صدور قرارات ضد إيران”.

وأشار إلى زيادة الصادرات الإيرانية من النفط الخام مؤخرا بـ4 أضعاف، مقارنة مع الفترة التي كانت تطبق فيها واشنطن أقسى العقوبات ضد طهران، ووصف هذه التطورات وغيرها -مثل الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة وتبادل السجناء-، بأنها إحدى ثمرات التفاوض من أجل احتواء التوتر بين بلاده والولايات المتحدة.

وبالنظر إلى أن طهران مقبلة على انتخابات برلمانية مقررة في مطلع مارس/آذار المقبل، وانتخابات رئاسية بعد عامين، يرى فلاحت أن عليها “استغلال الفرصة المتاحة في الوقت الراهن، لترجمة خفض التوتر على الوضع المعيشي للشعب الإيراني”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version