بيروت- لم يتأخر رد حزب الله على الاستهدافات الإسرائيلية التي طالته في لبنان على مدى الأيام الماضية، بدءا من تفجيرات أجهزة “البيجر” واللاسلكي ومن بعدها اغتيال قادة كبار من قوة الرضوان العسكرية، فجاء ردّه الأولي بقصف مجمع صناعي عسكري إسرائيلي شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ، كما استهدف قاعدة ومطار رامات ديفيد بعشرات الصواريخ من طراز “فادي 1″ و”فادي 2”.

وبرده الأولي، ووصول صواريخه للمرة الأولى إلى هذا العمق الإسرائيلي، يرسل الحزب رسالة واضحة أنه لن يتردد في توسيع نطاق استهدافه، ولن يتأخر في دراسة خياراته بالرد كما فعل عقب اغتيال القائد فؤاد شكر.

وأوضح الحزب -في بيان له- أن هذا القصف جاء “دعما للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وإسنادا لمقاومته الباسلة ‌‏‌‏‌والشريفة، وفي ردٍ أولي على ‏المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في مختلف المناطق اللبنانية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين”.

وقد سبق لحزب الله أن نشر مقطع فيديو التقطته طائرة “الهدهد” المسيرة في يوليو/تموز الماضي لقاعدة رامات ديفيد، وهي القاعدة الجوية الإسرائيلية الوحيدة في المناطق الشمالية، وتضم مجموعة من الاختصاصات الجوية تتوزع بين مقاتلات حربية ومروحيات قتالية، ومروحيات النقل والإنقاذ، ومروحيات الاستطلاع البحري، ومنظومات حرب إلكترونية هجومية.

وجاء هذا التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل في إطار المواجهة المفتوحة بينهما، منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله حينها أن فتح جبهة الجنوب في اليوم التالي كان إسنادا لغزة، بينما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فصل الجبهتين، بهدف إفساح المجال أمام عودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم كهدف رابع للحرب.

خلط أوراق

من جهته، يعتبر الباحث والمحلل السياسي حسن شقير، في تصريح للجزيرة نت، أن رد حزب الله كان “أوليا وحكيما معا”، إذ أصاب مراكز وقواعد عسكرية إسرائيلية ومجمع الصناعات الإلكترونية، وقد حمل هذا الرد رسالة واضحة بأن “الحزب لا يزال قادرا على الرد رغم الضربات الإسرائيلية، ومزاعمها بشأن استهداف المئات من منصات الصواريخ التابعة له”.

ووفقا لشقير، فإن الحديث عن فقدان حزب الله لقدرته الصاروخية لا يتماشى مع الواقع، إذ إن ذلك لم يتحقق رغم الغارات الكثيرة التي تعرض لها، “وبالتالي، كانت الرسالة الثانية الموجهة للإسرائيليين هي العودة إلى قواعد الاشتباك، وعدم التمادي في استهداف المدنيين”.

ويضيف المحلل السياسي أن رد حزب الله كان موجها بشكل خاص ضد قواعد عسكرية إسرائيلية تجنبا لإصابة المستوطنين، لأن إسرائيل تسعى للخروج من دائرة الاستنزاف القاتلة في الجبهة الشمالية، التي تعتبر الجبهة الأساسية الداعمة لغزة ضمن إطار وحدة الساحات.

ويشدد شقير على أن إسرائيل تسعى منذ فترة طويلة لتوسيع دائرة النار وتجاوز قواعد الاشتباك وكسر المعادلات، بهدف جرّ حزب الله ليكون البادئ في حرب شاملة، مشيرا إلى أن نتنياهو “بفشله في غزة وبحثه عن صورة نصر” يرى أن فتح حرب شاملة قد يساعده في خلط الأوراق في المنطقة، واستدعاء تدخل الولايات المتحدة لصالحه، ولهذا السبب، يرى شقير أن الإسرائيليين بدؤوا بتوسيع دائرة اعتداءاتهم.

محطة جديدة

من جهته، أشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر للجزيرة نت إلى 3 دلالات من رد حزب الله الأولي:

  1. إرادة الحزب: فالضربات الإسرائيلية التي استهدفت حزب الله وعددا كبيرا من المدنيين لم تؤثر سلبا على إرادة القرار داخل الحزب، بل على العكس أظهرت تماسكه وتصميمه على الاستمرار في العمليات.
  2. القدرة على الإدارة: فهذه الضربات لم تنجح في إلحاق ضرر بالغ أو جدي بالقيادة، مما يعكس قدرة الحزب على إدارة العمليات بشكل فعال.
  3. الرد على التصعيد: فحزب الله اتخذ قرارا بمعاقبة العدو على توسيع نطاق اعتداءاته، من خلال فرض سقوف جديدة من الردود غير المسبوقة منذ نحو عام تقريبا، وهذا يعني أن الاستهدافات قد تشمل الآن مناطق تضم مئات الآلاف من المستوطنين.

ويوضح حيدر أن نتنياهو تورط أكثر في مأزقه، إذ أدت ضرباته -التي جاءت تحت عنوان “إعادة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال”- إلى جعل عودتهم أكثر بُعدا، كما انضم إليهم مئات الآلاف، مما يجعل المشكلة أكبر أمام القيادة الإسرائيلية، ويصف حيدر ذلك بأننا “أمام محطة جديدة ستتبعها تصعيدات وضربات متبادلة”.

أسلحة لأهداف عميقة

في المقابل، يعتقد المحلل السياسي حسن الدر، في حديثه للجزيرة نت، أن إسرائيل قد تخطت جميع الخطوط الحمراء والجغرافية، بدءا من الضاحية الجنوبية في بيروت، وصولا إلى آخر نقطة في الجنوب، بالإضافة إلى تنفيذها الحزام الناري، ويشير إلى أن إسرائيل تسعى لوضع قواعد تتماشى مع رؤيتها.

ويُوضح الدر أن هناك ضغطا كبيرا يُمارس على حزب الله من نتنياهو وإسرائيل، إذ يرسل الإسرائيليون عبر الوسطاء رسالة بعد كل ضربة، مفادها أنهم لا يرغبون في حرب مفتوحة، بل يسعون لوقف العمليات على الجبهة وإعادة حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، ومع ذلك، يعتقد الدر أن الحزب لن يتوقف، وأن المستوطنين لن يعودوا.

وفي ما يتعلق بالسلاح الجديد، يرى الدر أنه من الطبيعي إدخال أسلحة جديدة، لأن صواريخ الكاتيوشا لا تصل إلى مسافة 50 كيلومترا، وعندما يستهدف الحزب مناطق عميقة مثل حيفا، فإنه يركز على مواقع محددة، كالمطارات والقواعد الجوية ومصانع الأسلحة، مما يتطلب استخدام صواريخ أكثر دقة، مثل الصواريخ التي استخدمت فعلا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version