كوالالمبور- هيمنت دعوات الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد على أجواء احتفالات ماليزيا بالذكرى 66 لاستقلالها هذا العام، وذلك في ظل انقسام عرقي متنام كشفت عنه الانتخابات التشريعية الأخيرة في 6 ولايات.

وتوعدت الحكومة بمعاقبة كل من يمس النظام الملكي والعرق والدين، بينما حذرت أوساط رسمية وعامة من تزايد النعرات العرقية والجهوية والدينية بما يهدد بانقسام مجتمعي.

ولتدارك الانقسام دشنت منظمات غير حكومية مبادرات تدعو إلى الوحدة المجتمعية مثل مبادرة “لنقل خيرا” التي تدعو إلى التفاهم والتسامح بين مختلف الأعراق والأديان.

ثقافة الفساد

ينشط رجل الأعمال الماليزي أنس الزبيدي منذ أكثر من 3 عقود في مجالي مكافحة الفساد والوحدة المجتمعية، ويرى علاقة وطيدة بينهما، ومن أجلهما يتبنى حملات توعية، لا سيما في المناسبات الوطنية مثل ذكرى الاستقلال عن الاستعمار البريطاني عام 1957، الذي يصادف يوم 31 أغسطس/آب، ويوم ماليزيا الذي يصادف 16 سبتمبر/أيلول، والذي توحد فيه شطرا البلاد الشرقي والغربي عام 1963.

ويرى الزبيدي في حديثه للجزيرة نت أن مكافحة الفساد تتطلب جهودا متكاملة، لا سيما أنها أصبحت ظاهرة متأصلة اجتماعيا وسياسيا، ويدلل على ذلك بدراسة أجريت في ماليزيا في ثمانينيات القرن الماضي، أظهرت أن الغالبية الساحقة من طلاب المدارس الثانوية الذين شملتهم الدراسة كانوا يتطلعون لأن يكونوا ساسة، وذلك بسبب ثراء السياسيين.

وأظهرت دراسة مماثلة في بداية القرن أن معظم من شملهم الاستبيان من اليافعين قالوا إنهم لن يجدوا حرجا في تلقي رشوة، ويضيف الزبيدي أن أولئك المراهقين هم من نشاهدهم اليوم من الساسة ممن يقودون البلاد.

وتشاطره الرأي نور حياتي نور الدين، المحامية التي تترأس مؤسسة “سينار ماليزيا” -وتعني: نور ماليزيا- لمكافحة الرشوة، وترى أن جزءا من المشكلة يتعلق بمفهوم الفساد لدى الناس، والذي أسهم في تغييره بعض السياسيين ليصبح مبررا، وتدعو إلى تضافر الجهود لقطع سلسلة الفساد، وذلك بالعمل على زيادة الوعي بخطورة الفساد على الدولة والمجتمع بدءا من الأسرة.

وتضيف نور الدين في حديثها للجزيرة نت أن مفهوم الفساد غير الملموس قد يكون غائبا عن شرائح مختلفة من المجتمع مثل المحسوبية واستغلال النفوذ، بينما يحصر كثيرون الفساد بتلقي الرشوة.

وبحسب ما تؤكده نور الدين فإن حملات التوعية تهدف للوصول إلى ثقافة مضادة تعتبر الفساد منافيا للقيم ومبادئ الدين والوطن، ومن ذلك الأركان الخمسة التي تقوم عليها أسس دولة ماليزيا المعروفة باسم “ركن نغارا” تلك التي يتصدرها مبدآن هما طاعة الله والولاء للوطن.

دور السلطة

“يحتاج رئيس الوزراء أنور إبراهيم عصا سحرية لموجهة الفساد المتأصل” في ماليزيا، هذا ما عبرت عنه افتتاحية صحيفة “نيو ستريتس تايمز” الماليزية عشية احتفالات البلاد بالذكرى 66 للاستقلال عن الاستعمار البريطاني.

فالإصلاح ومكافحة الفساد شعاران حملا رئيس الوزراء إلى السلطة، وقد رأت الصحيفة في تصريحات له بشأن عمولات المشاريع الضخمة التي يتقاضاها مسؤولون حكوميون تعبيرا عن إحباط تجاه بطء سير عملية مكافحة الفساد.

وتؤكد نور حياتي نور الدين على ما جاء في افتتاحية الصحيفة إذ تقول إن الفساد ظاهرة اجتماعية سياسية لا يمكن لأي رئيس وزراء بمفرده أو دورة حكومية واحدة القضاء عليها. ورغم أنها لا تتوقع إصلاحا شاملا في غضون أشهر أو حتى سنوات، فإنها ترى في تصريحات رئيس الوزراء التي تفصح عن ازدرائه للفساد صوتا يسعى لكسر استشراء هذا الداء المتأصل في البلاد.

“لنقل خيرا”

تقود نور الدين حملة بعنوان “لنقل خيرا” برعاية مجموعة مؤسسات للتوعية بمبادئ الشفافية والوحدة والوطنية، وتعود جذور هذه الحملة إلى منتصف التسعينيات و كانت تهدف إلى زيادة اللحمة المجتمعية.

ومؤسسة نور ماليزيا شريكة في اللجنة البرلمانية لجميع الأحزاب -الحكومية منها والمعارضة- المعنية بإصلاح المؤسسات الحكومية. وتقول رئيسة المؤسسة إن عملية الإصلاح تتطلب مراجعة قانونية وإدارية، بما في ذلك إصلاح هيئة مكافحة الفساد وفصل سلطة الادعاء العام عن النيابة العامة.

ويرى الزبيدي الذي هو من أوائل رواد حملة “لنقل خيرا” أن الهدف الأوّلي منها كان ردم الهوة المجتمعية والثقافية والمعرفية بين القسمين الغربي والشرقي لماليزيا، ولذلك فإنها كانت تحتفي بذكرى انضمام ولاتي ساراواك وصباح في 16 سبتمبر/أيلول المعروف بيوم ماليزيا، وتحولت فيما بعد إلى التوعية بالقضايا الوطنية الرئيسية مثل الشفافية.

ويرى الزبيدي أن التركيز على مكافحة الفساد أصبح ضرورة ملحّة، نظرا لتراجع معايير الشفافية في المجتمع، إذ إن ترتيب ماليزيا في سلم الشفافية الدولية هو الـ57 بين دول العالم، وهذا برأيه لا ينذر بخطر داخلي فقط بل يضر بسمعة البلاد عالميا كذلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version