مدينة سيدي قاسم- كان محمد يشاهد التلفزيون ليلا عندما شعر بالأريكة تهتز من تحته، فظن للوهلة الأولى أن ابنته تشاغب معه كعادتها، لكن سرعان ما انتبه إلى أن الأريكة تهتز بقوة ونظر إلى ابنته فوجدها تلهو بعيدا، فتيقن أن الأمر يتعلق بهزة أرضية.
طلب من أسرته الخروج بسرعة من المنزل، فيما اتكأت زوجته على الحائط ظنا منها أن الدوار الذي تعاني منه من حين لآخر عاد إليها من جديد.
السلطات المختصة أكدت لاحقا أن الزلزال ضرب على الساعة 11 ليلا و11 دقيقة وثانية بالتوقيت المغربي المحلي (الواحدة فجرا و11 دقيقة وثانية بتوقيت مكة المكرمة). ومع الزلازل، الثانية الواحدة قد تحمل كل الفرق.
بعد الثواني الأولى لحدوث الزلزال، بدأت بعض الأسر تخرج من بيوتها على استحياء، وهي تتساءل في حيرة هل الأمر يتعلق بهزة أرضية، أم بدوار، أم بمشكل خاص بالمنزل. وبمجرد ما تيقن الجميع أن الأمر يتعلق بزلزال خرجوا إلى شوارع المدن والأزقة، وقضوا الليلة إما أمام منازلهم، أو داخل سياراتهم.
ثقافة زلازل
في مدن وسط وغرب المغرب، مثل المحمدية وتمارة وسيدي سليمان وسيدي قاسم وإيفرن ومراكش، لا يكاد الناس يتذكرون حدوث زلزال بالمنطقة، لذلك لا يبدو أن أحدا اعتقد في البداية أن الأمر يتعلق بزلزال، بل كل من استقصت الجزيرة نت آراءهم ذكروا أنهم ظنوا في البداية أن الأمر يتعلق بدوار مفاجئ أصابهم، وبعضهم طلب المساعدة من أفراد عائلته ومدهم بدواء الدوار.
على العكس من ذلك، ففي مدينة الحسيمة ونواحيها في شمال المغرب على البحر المتوسط مثلا، لدى الساكنة المحلية ثقافة تعامل مع الزلازل، لأن المنطقة توجد بحزام زلزالي نشط، وعانت المدينة وضواحيها من زلازل قاسية كان أخطرها زلزال عام 2004 الذي خلّف مقتل أكثر من 628 شخصا وإصابة المئات، وتشريد الآلاف.
كما أن مدينة أكادير لاتزال تتذكر الزلزال المدمر عام 1960، والذي خلف آلاف القتلى، وآلاف الجرحى، وتسبب بخسائر مادية جسيمة.
إعلام وإشاعات
دقائق بعد حدوث الزلزال، تحول الناس إلى القنوات الفضائية المحلية الرسمية لمعرفة أي معلومات عن الزلزال، فاكتشفوا أن قناتين تواصلان بث برامجهما العادية، وبينها سهرة غنائية، فيما قناة “ميدي1 تي في” بثت عاجلا على شاشتها يفيد بوقوع زلزال ضرب عدة مدن مغربية. قبل أن تتناول -لاحقا- الحدث المؤلم بتغطية شاملة.
تعطش الناس للمعلومات جعلهم يتوجهون منذ الدقائق الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي للحصول عليها، وبخاصة فيسبوك الذي يعتبر المنصة الأكثر استخداما من طرف المغاربة. كما لجأ آخرون إلى مجموعات منصة التواصل واتساب، وسرعان ما بدأ الناس يتداولون صورا ومقاطع فيديو يزعمون أنها من عدة مدن، تظهر انهيارا لبعض المنازل، وتتحدث عن وقوع ضحايا.
ومن ضمن الإشاعات التي انتشرت بسرعة تحذير “خبراء” من أن الزلزال سيضرب مرة أخرى بعد منتصف الليل بنصف ساعة، فيما نقلت صفحات التواصل الاجتماعي عن “خبراء” آخرين أن الزلزال سيضرب مجددا على الساعة الثالثة فجرا.
رواج مثل هذه الإشاعات الكاذبة، وصور ومقاطع فيديو غير موثقة، خلق حالة من الهلع في صفوف المواطنين، الذين فضلوا قضاء الليل خارج المنازل، بدلا من المغامرة والدخول إلى بيوتهم للنوم. ففي مثل هذه اللحظات، يصبح البيت الذي كان دائما رمزا للأمن والأمان، خصما غريبا تخشى أن ينقض عليك في أي لحظة.
ويحكي محمد أن أصعب ما واجهه خلال هذه الليلة العصيبة هو البحث عن جواب لسؤال أطفاله “هل حقا سيضرب الزلزال مجددا؟”.
وكانت قناة الجزيرة الفضائية، وموقع الجزيرة نت، من ضمن أهم المصادر الموثوقة لأخبار الزلزال الذي ضرب المغرب، والتي حرص كثيرون على متابعتها.
قلق واطمئنان
وما زاد من حدة القلق، خاصة خلال الدقائق الأولى، تأثر شبكات الاتصال بما جرى، إذ تعذر على كثيرين التواصل مع عائلاتهم لطمأنتهم وللاطمئنان عليهم. وبذل الآباء جهدا كبيرا لطمأنة أطفالهم المرعوبين، وخاصة المراهقين الذين التصقوا إلى شاشات هواتفهم يتابعون أحداث أنباء الزلزال التي اختلط فيها الصحيح بالمفبرك.
ومنح مرور دوريات الأمن ورجال الدرك بالشوارع والأحياء بعض الثقة للعائلات التي وجدت نفسها “تتسكع” في الشوارع فجرا، فيما تعززت تلك الثقة بالنسبة لآخرين بتجمع الجيران أمام أبواب المنازل وشروعهم في تأمل جماعي للعبر المستخلصة من الزلزال وقرب الموت من الإنسان، غير أن ذلك لم يمنعهم من الضحك والسخرية من تصرفاتهم الغريبة بعيد حدوث الزلزال.
حسم رسمي
وحسم المعهد الوطني للمغربي للجيوفيزياء الأمر عندما أعلن أن قوة الزلزال الذي ضرب عددا من جهات المملكة بلغت 7 درجات على سلم ريختر.
وأكد المعهد في نشرة خاصة أن مركز الهزة الأرضية هو جماعة إيغيل بإقليم الحوز (80 كيلومترا جنوب غرب مدينة مراكش)، مضيفا أن الزلزال وقع على عمق حوالي 8 كيلومترات، عند خط عرض 30961 درجة شمالا وخط طول 8413 درجة غربا.
وسارعت المواقع الإخبارية الرصينة للتواصل مع المسؤولين مباشرة لطمأنة المواطنين المغاربة الباحثين عن المعلومة الصحيحة، ونقل موقع العمق المغربي عن ناصر جابور رئيس قسم بالمعهد الوطني للجيوفيزياء أن الهزات الارتدادية التي أعقبت الزلزال الذي ضرب مساء أمس الجمعة إقليم الحوز تكون أقل قوة وقد لا تشعر بها الساكنة.
وأضاف أن الهزة الرئيسية تلتها مئات من الهزات الارتدادية بلغت أقواها حوالي 6 درجات، مبرزا أن الزلزال مس العديد من المدن المغربية في محيط بلغ 400 كيلومتر.
لا فرار من القدر
ولأن الإنسان لا يهرب من قدره، فقد فجع بعض من حاول الاتصال بعائلته بوفاة بعض أفرادها خلال الزلزال، وخاصة في المناطق القريبة من مركز الزلزال بمنطقة إيغيل بإقليم الحوز.
ولحدود كتابة هذه السطور، نشرت وسائل إعلام محلية أنباء عن حدوث وفيات خاصة في المناطق المحيطة بمركز الزلزال، وبينها أسرة مكونة من 5 أفراد بمدينة دمنات (شرق مدينة مراكش) ووجود كثيرين عالقين تحت الأنقاض.
وسارعت وزارة الداخلية المغربية لتأكيد مقتل 296 شخصا وجرح العشرات، وهي إحصائية أولية.