قال الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس حنا إن إسرائيل قررت عقب عملية “طوفان الأقصى” تنفيذ عملية برية على قطاع غزة، تسيطر خلالها على جزء محدود من القطاع، لكن تحقيق ذلك يتوقف على عوامل عدة.
وأضاف -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن إطلاق كلمة “اجتياح” على العملية التي تنوي إسرائيل شنها على قطاع غزة كبيرة جدا، والأفضل هو تنفيذ عملية برية محدودة، لأن “الاجتياح” يكون له هدف عسكري وله أبعاد سياسية ويستلزم وسائل وقرارا سياسيا وغطاء دوليا ووقتا طويلا وتضحية كبيرة جدا.
يجب أن تتناسب العملية البرية -حسب العقل الإسرائيلي والمنطق بالمعنيين السياسي والعسكري- مع حجم نتائج “طوفان الأقصى”
وعما إذا كانت إسرائيل مستعدة لمثل هذه العملية، قال الخبير العسكري “في رأيي أنه إذا تم ذلك فسيكون عبارة عن عملية برية محدودة الأهداف ومحدودة الجغرافيا”، ويجب أن تتناسب هذه العملية -حسب العقل الإسرائيلي والعقل المنطقي بالمعنيين السياسي والعسكري- مع حجم نتائج “طوفان الأقصى”، وبشكل يجعل إسرائيل تقول أنا حققت ما لا بد أن أحققه، وليس كما حدث في 2014 أو 2009. يجب أن يكون هناك توازن بين الفعل ورد الفعل، وإلا لا تأخذ العملية الإسرائيلية معناها الحربي.
وأشار حنا إلى أن الحديث عن العملية البرية ظهر عقب عملية طوفان الأقصى، فقد تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد يومين من بدء التصعيد، ومؤخرا أيضا تحدث عن تفاصيلها الجيش الإسرائيلي بأنها ستتم على 3 مراحل: الأولى هي تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والبنى التحتية البشرية والعسكرية التي تملكها.
وفي المرحلة الثانية يتم تنظيف المناطق والمساحات التي تم احتلالها من خلال التخلص مما تسمى الجيوب المتبقية والخلايا النائمة. أما المرحلة الثالثة فيتم فيها خلق منظومة أمنية وسياسية لا تكون إسرائيل مسؤولة فيها عن أمن غزة ولا حتى عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية فيها.
إدارة قطاع غزة
وعندما سئل عن التنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من أجل تسليمها ملف إدارة قطاع غزة بعد العملية البرية، قال حنا “أستبعد مثل ذلك لأن السلطة ليست مقبولة في الضفة فكيف في غزة؟ هذا أولا، وثانيا لا توجد سلطة تنسق مسبقا مع إسرائيل لاغتيال الشعب الفلسطيني بعد أن فقدت الشرعية المطلقة، وثالثا السلطة غير قادرة على إدارة الشأن الفلسطيني بالضفة الغربية، فكيف تديره بمنطقة ستكون منكوبة؟”، واستدرك بأن السلطة الفلسطينية “قد تكون عاملا مساعدا أو لاعبا معينا ضمن منظومة متعددة الأطراف تشرف عليها الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية”.
السلطة غير قادرة على إدارة الشأن الفلسطيني بالضفة الغربية، فكيف تديره بمنطقة ستكون منكوبة؟
وعن تفاصيل إدارة القطاع، قال: سيكون لغزة إطار معين ضمن منظومة سياسية أمنية واقتصادية واجتماعية، ولا تكون حماس لاعبا فيها. أو تكون هذه العملية -ذات هدف إسرائيلي وبطلب أميركي- بابا لحل سياسي قد يأتي مثل حل الدولتين أو الدولة الواحدة، ويكون هناك دور للعرب كذلك ضمن العملية السياسية. من أجل ذلك هناك دائما تحذيرات أميركية لإسرائيل حتى لا تحتل كل غزة.
مصير كتائب المقاومة
وقال المحلل العسكري والإستراتيجي إن مصير كتائب المقاومة متوقف على نتيجة العملية العسكرية البرية؛ فهل فعلا ستقضي على كل أركان الدولة؟ لأن حماس لديها في القيادة العسكرية محمد الضيف، وفي القيادة السياسية يحيى السنوار، وغيرهما؛ فحماس منظمة وتركيبة تشبه الدولة، وعندها منظومة عسكرية وصناعة عسكرية، وعندها انتشار عسكري، وعندها قيادة وسيطرة، وعندها موازنة عامة كذلك.
وعلى درجة النجاح الإسرائيلي يتم تحديد دور حماس في المستقبل -كما يقول حنا- لأن هناك مبدأ دائما وهو أن تخسر إسرائيل إذا لم تربح، وأيضا تربح حماس إذا لم تخسر؛ أي أنه يكفي أن تستمر حماس في المطلق كي تنجح وتعيد بناء نفسها على المدى البعيد، لأن مقاتلي حماس يخلعون الزي العسكري وينخرطون بين المدنيين، ومع الوقت يعيدون تنظيم أنفسهم.
كلفة السيطرة على القطاع
وقال إلياس حنا “ليس بالضرورة أن تسيطر إسرائيل على كل القطاع، فهي تعتبره مقسما إلى قسمين: شمالي وجنوبي؛ لذلك طلبت من الفلسطينيين الذهاب إلى الجنوب، فالجنوب لا يشكل خطرا على إسرائيل لأنها تعدّ منطقة وادي غزة وما حولها مهمة لها، حيث ترى أن المنطقة تحت مستشفى الشفا تحتوي على أنفاق وتؤوي عناصر القيادة الأساسية لحماس.
ويذكر الخبير العسكري أن هناك عوائق عدة أمام إسرائيل، ومن أهمها العنصر البشري بما تحويه غزة من كثافة سكانية ضخمة، وهناك موضوع الوقت الذي تحتاجه إسرائيل لتحقيق أهدافها من هذه العملية، كذلك حجم الخسائر التي تتكبدها، وإلى أي مدى سيستمر الغطاء الدولي لإسرائيل كي تنفذ هذه العملية؟
وما سبق كلها عوامل مهمة، لكن الأهم أيضا -حسب المفهوم العسكري- هو كيف حضّرت حماس نفسها؟ وهل وضعت في حساباتها سيناريو التوغل العسكري؟ وكيف أعدّت لهذا اليوم؟
العملية البرية عبارة عن حرب مدن وتعتمد على 3 أبعاد مهمة: الجغرافيا والديمغرافيا والإمكانات العسكرية
وختم إلياس حنا تحليله للجزيرة نت بأن العملية البرية عبارة عن حرب مدن حضرية كما يُقال، وحرب المدن دائمًا لها علاقة بثلاثة أبعاد مهمة: الجغرافيا والديمغرافيا والإمكانات العسكرية؛ فإسرائيل عندها في صحراء النقب مدينة مشابهة للمدن الفلسطينية تتدرب فيها على حرب المدن، لكن التدرب شيء والقتال شيء آخر.
وعندما تعلن إسرائيل أنها ستقضي على حماس تماما، فهذا معناه أنها تقول بطريقة غير مباشرة لحماس إنه لا مخرج لك إلا بالقضاء عليك؛ وعندها كأنك تحشر عدوك في زاوية لا مخرج منها؛ ومن ثم تجعل حماس تقاتل حتى آخر رمق، وهذا ما يسمى الحد الأقصى من الأهداف، حسب قول الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس حنا.