ما الذي يجعل شرب الماء منعشا ولذيذا بشكل مذهل عندما نشعر بالفعل بالطش؟ وما الذي يجعله مختلفا في حالة عدم وجود عطش؟
ويحفز شرب الماء مجموعة متنوعة من التفاعلات الكيميائية الحيوية المعقدة التي تكافئ إعادة الترطيب وتساعد في إشباع عطشنا.
تخيل أنك تمارس الرياضة في الخارج في يوم حار. أنت غارق في العرق، ويبدأ الشعور بالعطش في التغلب عليك. تخرج زجاجة الماء وتبتلع أول رشفة كبيرة، ويمتلئ جسمك على الفور بالراحة والابتهاج.
وقالت باتريشيا دي لورينزو، أستاذة علم النفس الفخرية بجامعة بينغهامبتون في نيويورك، لموقع لايف ساينس “هناك رد فعل لذة تجاه ذلك (..) عندما تشعر بالعطش حقا وتشرب الماء يكون مذاقه جيدا للغاية”.
ولكن، لماذا يكون شرب الماء ممتعا للغاية عندما تشعر بالعطش؟
حجم الدم
نشعر بالعطش عندما نمارس الرياضة بكثافة، لأنه عندما نتعرق ينخفض حجم دمنا. معظم مناطق الدماغ مفصولة بحاجز الدم الدماغي، وهي طبقة من الخلايا تمنع السموم الضارة ومسببات الأمراض من إصابة الدماغ.
لكن أجزاء معينة من الدماغ تقع خارج هذا الحاجز، مما يسمح بالكشف السريع عن التغيرات في دمنا. عندما نفقد حجم الدم من ممارسة الرياضة أو تناول الأطعمة المالحة، ترسل الخلايا العصبية في هذه الأجزاء من الدماغ إشارة لتحفيز الشعور بالعطش.
قال أستاذ علم الأحياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يوكي أوكا لموقع لايف ساينس “هذه الاستجابة السريعة مهمة جدا للبقاء على قيد الحياة.. إذا استغرق الأمر وقتا طويلا، فقد تصاب بالجفاف”.
تعالج ثلاثة أجزاء من الدماغ العطش: العضو تحت القبو (SFO Subfornical organ) والعضو الوعائي الصفيحي الطرفي (organum vasculosum lamina terminalis OVLT) والنواة قبل البصرية المتوسطة (median preoptic nucleus. MnPO).
يقع كل من العضو تحت القبو والعضو الوعائي الصفحي الطرفي خارج حاجز الدم في الدماغ.
في دراسة أجريت عام 2018 على الفئران، اكتشف أوكا أنه بينما تحتوي المناطق الثلاث على خلايا عصبية تدفع إلى الشرب عندما تكون هذه الخلايا العصبية متحمسة، فإن النواة قبل البصرية المتوسطة تكون في منتصف هذه العملية. تنقل إشارات العطش من العضو تحت القبو والعضو الوعائي الصفيحي الطرفي إلى أجزاء أخرى من الدماغ لتحفيز الشرب.
يقول أوكا إن الأمر يستغرق نحو 30 دقيقة بعد بلع الماء حتى يتم امتصاصه وتوزيعه في جسمك. لكن جسمك يبدأ في إرسال إشارات إلى دماغك بأنك تتلقى الماء جيدا قبل أن يتم ترطيبك بالكامل.
بمجرد شرب الرشفة الأولية، يطلق دماغك اندفاعا من الناقل العصبي الدوبامين. يتفق معظم العلماء على أن الدوبامين يشارك في البحث عن المكافأة والحركة والدافع. والأهم من ذلك أن الدوبامين يحفز على بذل الطاقة في الأفعال التي تمنحنا مكافأة أو تساعدنا على البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الأكل والشرب.
الدوبامين
وقال أوكا إنه إذا تم إطلاق الدوبامين عند قيام الحيوانات بسلوك معين، فإنها “تميل إلى تكرار هذا السلوك.. هذه إشارة إيجابية”.
لا يزال من غير المعروف بالضبط كيف يؤدي شرب الماء إلى إطلاق الدوبامين. ولكن في دراسة أجريت عام 2019 ونشرت في مجلة “نيورون” (Neuron)، اكتشف أوكا وزملاؤه أن الفئران العطشى التي شربت الماء أطلقت الدوبامين، في حين أن الفئران العطشى التي تلقت الماء مباشرة إلى أمعائها لم تفعل ذلك.
يشير هذا إلى أن فعل الشرب -وليس إشباع العطش- يطلق الناقل العصبي. قال أوكا إن هذا يفسر سبب عدم حصول المرضى المصابين بالجفاف الذين يتم إعطاؤهم سوائل وريدية على “شعور المكافأة” نفسه الذي يحصلون عليه من شرب كوب بارد من الماء.
في عملية منفصلة، يرسل فعل البلع أيضا رسالة إلى الخلايا العصبية في النواة قبل البصرية المتوسطة بأن الجسم يتلقى الماء، وفقا للدراسة. ثم تعطل النواة نفسها الخلايا العصبية للعطش في العضو تحت القبو، مما يعطي شعورا بالشبع.
ومع ذلك، فإن البلع ليس الآلية الوحيدة التي تساعد في وقف العطش. بعد أن ينتقل الماء إلى الأمعاء، يكتشف الجسم انخفاضا في نسبة الملح إلى الماء في الدم. يؤدي هذا إلى ارتفاع مستويات هرمون يسمى الببتيد المعوي النشط للأوعية الدموية “في آي بي” (VIP). يساعد هذا الهرمون، وليس الماء نفسه، في تنشيط الخلايا العصبية التي ترسل إشارات إلى الدماغ بأن الجسم راض. الكثير حول كيفية عمل هذه العملية هو لغز، لا يزال الباحثون لا يعرفون من أين يأتي “في آي بي” أو كيف يتم إطلاقه؟
قال أوكا “نحن لا نعرف حتى كيف يتم اكتشاف الأسمولالية (تركيز الجسيمات المذابة في الدم) بواسطة هذه الخلايا المعوية”، مضيفا “نحن نعمل على ذلك”.
ما العطش؟
العطش هو في العادة مجرد طريقة الدماغ للتحذير من إصابتك بالجفاف لأنك لا تشرب كمية كافية من السوائل. ولكن العطش المفرط والمستمر (المعروف باسم كثرة الشرب) قد يكون علامة على وجود مشكلة كامنة مثل مرض السكري.
إن الشعور بالعطش طوال الوقت ودون سبب وجيه ليس أمرا طبيعيا ويجب فحصه من قبل طبيبك العام، وفقا لخدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة “إن إتش إس” (NHS).
الأسباب الشائعة للعطش
1- الجفاف
عادة ما تشعر بالعطش لأنك لا تشرب الكمية الكافية من السوائل التي يحتاجها جسمك. قد يكون هذا بسبب التعرق الشديد أو فقدان السوائل بسبب الإسهال والقيء.
يمكنك إرواء عطشك قريبا واستعادة توازن السوائل في جسمك من خلال تناول مشروب والتأكد من بقائك رطبا جيدا.
من المهم بشكل خاص أن تظل رطبا جيدا أثناء الطقس الحار، وأثناء ممارسة الرياضة، وأثناء إصابتك بالقيء والإسهال.
2- الطعام
في بعض الحالات، قد يكون العطش ناتجا عن شيء بسيط مثل وجبة أو وجبة خفيفة حديثة. تناول الأطعمة المالحة أو الحارة قد يجعلك تشعر بالعطش فجأة.
3- مرض السكري
إذا كنت تشعر بالعطش طوال الوقت، فقد يكون ذلك علامة على مرض السكري، وخاصة إذا كان لديك أيضا أعراض أخرى مثل الحاجة إلى التبول بشكل متكرر والتعب الشديد (الإرهاق) وفقدان الوزن غير المبرر.
مرض السكري هو حالة تستمر مدى الحياة وتجعل من الصعب التحكم في مستوى السكر (الغلوكوز) في الدم. يمكن أن تعني المستويات المرتفعة من الغلوكوز أن كليتيك بحاجة إلى إنتاج المزيد من البول للمساعدة في إخراج الغلوكوز من جسمك. يمكن أن يجعلك هذا تشعر بالعطش لأن دماغك يخبرك بشرب المزيد للتعويض عن السوائل التي فقدتها.
إذا كنت تشعر بالعطش طوال الوقت ولديك أعراض أخرى، فمن المحتمل أن يجري طبيبك العام اختبار غلوكوز الدم لمعرفة ما إذا كنت مصابا بمرض السكري.
4- الحمل
يعد الشعور بالعطش، بالإضافة إلى التبول أكثر من المعتاد، من الأعراض الشائعة أثناء الحمل، وعادة لا داعي للقلق.
في حالات نادرة جدا، قد تكون هذه المشكلات علامة على الإصابة بسكري الحمل (نوع من مرض السكري يصيب النساء أثناء الحمل). يجب عليك إجراء فحص لهذا كجزء من الرعاية قبل الولادة إذا كنت معرضة للخطر.
5- الأدوية
قد يكون العطش الشديد في بعض الأحيان أحد الآثار الجانبية لأنواع معينة من الأدوية، بما في ذلك الليثيوم وبعض مضادات الذهان ومدرات البول.
إذا كنت تعتقد أن دواء معينا يسبب عطشك، فقد يكون من الأفضل تغييره إلى دواء مختلف أو تقليل جرعتك. تحدث إلى طبيبك العام حول هذا الأمر.
أسباب أخرى للعطش
هناك أيضا العديد من الأسباب المحتملة الأخرى للعطش الشديد، وتشمل:
- مرض السكري الكاذب، وهي حالة ناجمة عن مشاكل في هرمون ينظم كمية السوائل في الجسم.
- الحماض الكيتوني السكري، وهو أحد المضاعفات الخطيرة لمرض السكري ناجم عن نقص هرمون الأنسولين في الجسم.
- فقر الدم المنجلي، وهو اضطراب دم وراثي.
- كثرة الشرب النفسية، حيث يشرب الشخص المصاب بحالة صحية عقلية، مثل الفصام، كميات زائدة من الماء لا يمكن التخلص منها عن طريق الكلى.
- النزيف.