مع ضعف الكثير من مؤشرات الاقتصاد الصيني التي أظهرتها بيانات رسمية، والتي تنبئ عن ضعف ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يتلقى ثاني أكبر اقتصاد في العالم صدمات متتالية من القطاع العقاري تجلت في عجز شركة التطوير العقاري كانتري غاردن عن سداد ديونها وإعلان شركة “تشاينا إيفرغراند” عن تقدمها بطلب للحماية من الدائنين، ما دفع خبراء وبنوك عالمية للتشكيك بتعافي الاقتصاد سريعاً.
• يعاني قطاع العقارات الصيني من نقص حاد في السيولة منذ أواخر 2021 عندما انهارت مجموعة إيفرغراند” وتسبب انهيارها في سلسلة من حالات العجز عن سداد الديون، حتى أن وكالة بلومبرغ ذكرت اليوم أن عملاقة العقارات الصينية “تشاينا إيفرغراند”، تقدمت بطلب للحماية من الدائنين بموجب الفصل 15 من القانون في نيويورك، حيث تهدف الشركة التي تخلفت عن سداد ديونها قبل عامين، من هذه الخطوة إلى حماية أصولها في أميركا فيما تعمل على صفقة إعادة هيكلة لديونها في مكان آخر، وفقاً للوكالة.
• كما تلقى الاقتصاد الصيني أخيراً صفعة ثانية من القطاع العقاري وذلك بعد أن كشفت عملاقة التطوير العقاري “كانتري غاردن” عن خسائر يتوقع أن تصل إلى سبعة مليارات ونصف المليار دولار في ستة أشهر.
• المخاوف بشأن قطاع العقارات المتعثر دفعت بنوك عالمية لتخفيض توقعات نمو الاقتصاد الصيني لهذا العام.
• توقع مورغان ستانلي نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين 4.7 بالمئة انخفاضا من توقعه السابق نمواً يبلغ خمسة بالمئة، كما خفض توقعه لنمو الناتج الإجمالي المحلي لعام 2024 إلى 4.2 بالمئة من 4.5 بالمئة.
• خفض جيه.بي مورغان توقعات النمو إلى 4.8 بالمئة من خمسة بالمئة بينما خفض باركليز التوقع إلى 4.5 بالمئة.
• أرجعت هذه البنوك توقعاتها الجديدة لنمو الاقتصاد الصيني إلى تدهور سوق الإسكان.
• في حين حددت بكين النمو المستهدف لاقتصاد البلاد هذا العام بنحو خمسة بالمئة.
العقار محرك النمو تاريخياً
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” طارق الرفاعي: “تواجه الصين مشكلة كبيرة في القطاع العقاري الذي يعد من أكبر القطاعات في الدولة، بل إنه يعد المحرك الرئيس للنمو التاريخي الذي شهده الاقتصاد الصيني على مدى نحو ثلاثة عقود إلى جانب قطاع الصناعي الذي يعد بدروه حالياً في مرحلة انكماش.
ويوضح الرفاعي أن “الحكومة الصينية تحاول السيطرة على النمو في القطاع العقاري مع تعثر بعض الشركات عن سداد ديونها مثل الشركتين العملاقتين “إيفرغراند” و”كانتري غاردن” حتى أن بعض الشركات الصغيرة أعلنت إفلاسها واليوم لاحظنا وجود إعلان لشركة “إيفرغراند” بطلب للحصول على الحماية من الإفلاس ما يعني أن الصين تواجه مشكلة كبيرة تمثل عبئاً على نمو اقتصادها خلال الفترة المقبلة”.
فقدان المستثمر الثقة بالقطاع العقاري
ويشرح الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” أن المعضلة الأساسية التي نتجت عن هذه الأزمة تكمن في فقدان المستثمر الصيني للثقة بالقطاع العقاري، وهو ما يجب أن تدركه الحكومة، لأن الكثير من المستثمرين الصينيين الأفراد يستخدمون العقار كوسيلة للاستثمار ويعتبرونها الوسيلة الأفضل للادخار، على عكس المستثمرين الأميركيين والأوربيين الذي يستثمرون في أسواق المال كاستثمار طويل الأجل.
ونوه الرفاعي بأن تعثر القطاع العقاري أدى إلى تباطؤ الاستثمار في هذا القطاع وهو بدوره أدى إلى انخفاض أسعار العقارات في بعض المدن ما سرّع في تباطؤ الطلب على هذه الاستثمارات والتي تشكل في معظمها شققاً سكنية قيد الإنجاز.
الحل بانفجار الفقاعة العقارية
ويرى الرفاعي أن الحل الأفضل لحل هذه المشكلة هو أن تدع الحكومة هذه الفقاعة العقارية حتى تنفجر وبالتالي تحل الأزمة نفسها بنفسها، لأن المحفزات الحكومية ليست حلاً دائماً وخصوصاً أن ديون الشركات العقارية كبيرة والشركات ليس لديها القدرة على السداد، لافتاً إلى أن المستثمرون الأفراد بدأوا يستشعرون هذا الواقع وفي الوقت ذاته ليس لديهم السيولة أيضاً بسبب انخفاض أسعار العقارات وبالتالي فإن البنوك الصينية غير مستعدة لإعطاء قروض ورهون عقارية إضافية.
ارتباط تعثر القطاع العقاري بنمو الطلب على النفط
وحول مدى ارتباط تعثر القطاع العقاري بنمو الطلب على النفط وتأثير ذلك على قدرة الاقتصاد الصيني وتحقيق مستهدفات نموه، يقول مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي: “إن 70 بالمئة من حجم نمو الطلب العالمي على النفط يأتي من الصين، ومن المتوقع نمو الطلب على النفط في العالم بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً بحسب وكالة الطاقة الدولية في آخر تقرير، منها 1.5 مليون برميل سيأتي من الصين في هذا العام، وهذا يرجع لتوقعات سابقة بنمو اقتصاد الصين بنسبة خمسة بالمئة في 2023”.
لكن بنوك عالمية خفضت توقعات نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومنها باكليز الذي خفض نسبة النمو من 4.9 بالمئة إلى 4.5 بالمئة، وجيه. بي. مورغان ومورغان ستانلي من 5 بالمئة إلى 4.8 بالمئة و4.7 بالمئة على التوالي ما يعني أن نمو الطلب على النفط في الصين سينخفض، بحسب الشوبكي.
ويشير مستشار الطاقة الدولي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى الأهمية الكبيرة لقطاع العقارات الصيني باعتباره يمثل نحو 20 بالمئة من حجم اقتصاد البلاد وإذا ما تمت إضافة الإنفاق على مستلزمات البناء من الصلب والنحاس وغير ذلك يرتفع حصة القطاع إلى 35 بالمئة، ومع الأزمة الجديدة في القطاع والتي تشهدها شركة العقارات الصينية العملاقة “كانتري غاردن” فإن الشكوك حول توقعات نمو الاقتصاد محقة، كما أن هذه الأزمة يمكن أن تؤثر على نمو الطلب على النفط وتخفضه من 1.5 مليون برميل إلى 1.2 مليون برميل يومياً.
أزمة العقار تدفع إلى المزيد من خفض النشاط الاقتصادي
ويبيّن الشوبكي أن “أزمة القطاع العقاري ستتسبب في عقبات أخرى لاقتصاد البلاد من خلال دفع الكثير من الأسر إلى تأجيل مشتريات المنازل وكذلك السيارات والسلع الكبيرة ما يؤدي بدوره إلى المزيد من خفض النشاط الاقتصادي، وعلى سبيل المثال انخفضت مبيعات السيارات إلى 2.6 بالمئة في يوليو الماضي عن المستو المنخفض أصلاً في يوليو من العام 2022 حيث كانت تطبق الصين في تلك الفترة سياسة صفر كوفيد، ما يؤكد وجود تأثير واضح لأزمة القطاع العقاري على كافة القطاعات في الصين”.
وعلى الرغم من ذلك فهناك إمكانية كبيرة لأن تتخطى الصين هذه الأزمة ويحتوي البنك المركزي الصيني أزمة العقارات الحالية لكن تبقى الشكوك في الأدوات التي يمكن أن تستخدمها بكين للحفاظ على التوازن ما بين تقديم الدعم لسوق الإسكان من جهة والحفاظ على الديون تحت السيطرة من جهة أخرى، طبقاً لما قاله الشوبكي.