سيكون استمرار مشكلات الديون التي تواجه عددا من دول العالم النامي وتداعياتها موضوعا أساسيا خلال قمة مجموعة العشرين التي تعقد في دلهي الشهر المقبل.
ويلقي تقرير لرويترز نظرة على البلدان التي تواجه صعوبات حاليا، بينها دول تونس ومصر ولبنان.
تونس.. أزمة اقتصادية
تواجه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي مرت بالكثير من الصعاب منذ ثورة 2011، أزمة اقتصادية شاملة. وأغلب ديونها داخلية لكن أقساطا لقروض أجنبية يحل موعد استحقاقها في وقت لاحق هذا العام.
وقالت وكالات تصنيف ائتماني إن تونس ربما تتخلف عن السداد، في حين انتقد الرئيس قيس سعيد الشروط المطلوبة للحصول على 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ووصفها بأنها “إملاءات” لن يفي بها.
وتعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر بقيمة 400 مليون دولار ومنحة بقيمة 100 مليون دولار، لكن لا يزال الاقتصاد التونسي المعتمد على السياحة يعاني نقص مواد غذائية وأدوية مستوردة.
وعرض الاتحاد الأوروبي دعما بنحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) لكن يبدو أن ذلك مرتبط في معظمه باتفاق صندوق النقد الدولي أو الإصلاحات.
مصر.. مخاطر مالية
تظل مصر إحدى الدول الكبرى الأخرى التي يُنظر إليها على أنها معرضة لخطر الوقوع في براثن مآزق اقتصادية.
ولدى مصر -التي تملك أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا- نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة، معظمها مقوم بالدولار، ويتعين على القاهرة سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليارات دولار العام المقبل.
وتنفق الحكومة المصرية أكثر من 40% من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، ولديها برنامج مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وخفضت قيمة الجنيه بنحو 50% منذ فبراير/شباط 2022.
تظل مصر إحدى الدول الكبرى التي يُنظر إليها على أنها معرضة لخطر الوقوع في براثن مآزق اقتصادية
لكن خطة للخصخصة لا تزال تسير ببطء، وحادت الحكومة الشهر الماضي عن خطة الصندوق بقولها إنها ستبقي أسعار الكهرباء المدعومة دون تغيير حتى يناير/كانون الثاني المقبل.
ويتم تداول بعض سندات الحكومة بنصف قيمتها الاسمية، ويعتقد محللون أن العامل الرئيسي الذي قد يحدد إمكانية عودة القاهرة إلى المسار الصحيح هو مقدار الدعم الذي تقدمه دول الخليج.
لبنان.. تحذيرات قوية
تخلف لبنان عن سداد ديونه منذ عام 2020، ولا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن مشكلاته في سبيلها للحل.
وكان صندوق النقد الدولي قد أطلق تحذيرات قوية، واقترح مصرف لبنان المركزي قبل شهرين إلغاء ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي المعمول به منذ فترة طويلة، في ما يعد خطوة إلى الأمام في مسعى مواجهة الأزمة الاقتصادية.
زامبيا.. خطة إصلاح
كانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال جائحة كورونا (كوفيد-19). وبعد سلسلة من الخطوات التي طال انتظارها خلال الأشهر الماضية، يبدو أنها تقترب أخيرا من خطة للإصلاح.
وتوصلت في يونيو/حزيران الماضي إلى اتفاق لإعادة هيكلة ديون بقيمة 6.3 مليارات دولار مع الدول الدائنة في “نادي باريس” ومع الصين التي حصلت منها أيضا على قروض ضخمة.
ولا يزال العمل جاريا على التفاصيل، لكن الحكومة تأمل في التوصل إلى اتفاق خلال الأشهر المقبلة مع صناديق دولية تحتفظ بسنداتها السيادية غير المدفوعة.
لاقى هذا التقدم ترحيبا باعتباره نجاحا لمبادرة إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين، التي تم وضعها خلال الجائحة لمحاولة تبسيط عمليات إعادة هيكلة الديون، لكن تواجه صعوبة لتطبيقها.
سريلانكا.. مخاوف من التعثر
أعلنت سريلانكا خطة لإصلاح الديون في نهاية يونيو/حزيران الماضي، وتواصل إحراز تقدم منذ ذلك الحين، لكن ليس في كل أقسام الخطة.
ووافق جميع حاملي سندات التنمية السريلانكية المحلية المقومة بالدولار تقريبا على تبادل سنداتهم 5 أوراق مالية جديدة مقومة بالروبية السريلانكية من المقرر أن يحل موعد استحقاقها بين عامي 2025 و2033.
غير أن جزءا آخر من خطة الدين المحلي واجه تعثرا مع تأجيل الموعد النهائي الرئيسي لتبادل سندات الخزانة 3 مرات، ليصبح الآن في 11 سبتمبر/أيلول الجاري.
وقال محافظ البنك المركزي ناندالال فيريسينكه إن كبار الدائنين الأجانب للبلاد مثل الهند والصين ينتظرون الانتهاء من العملية المتعلقة بالدين المحلي قبل مواصلة المناقشات.
وأضاف أن المفاوضات ستعقد بالتوازي مع المراجعة الأولى لبرنامج الإنقاذ التابع لصندوق النقد الدولي البالغ قيمته 2.9 مليار دولار والمقرر في الفترة من 14 إلى 27 سبتمبر/أيلول المقبل.
وقد يؤدي عدم استكمال إصلاح الدين المحلي بحلول ذلك الوقت إلى تأخيرات في مدفوعات صندوق النقد الدولي والمحادثات مع الدائنين.
غانا.. إعادة الهيكلة
تخلفت غانا عن سداد معظم ديونها الخارجية في نهاية العام الماضي. وهي الدولة الرابعة التي تسعى إلى إعادة العمل بموجب الإطار المشترك وتهدف إلى خفض مدفوعات ديونها الدولية بمقدار 10.5 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وكان تقدمها سريعا نسبيا مقارنة بدول مثل زامبيا. ووافقت الحكومة في الآونة الأخيرة على معالجة ما يقرب من 4 مليارات دولار من ديونها المحلية من خلال عملية مبادلة ديون صندوق التقاعد وسندات مقومة بالدولار.
وأعدت خطة لإعادة الهيكلة، وقال وزير المالية إنه يتوقع أيضا التوصل إلى اتفاق مع حاملي السندات في البلاد بحلول نهاية العام.
وتعلم الصناديق أن الخطة ستتطلب منها إلغاء ديون، لكنها تأمل أن تتضمن أيضا “أداة للتعافي” تهدف لأن تصبح غانا قادرة على سداد المزيد من تلك الأموال مع مرور الوقت إذا تعافى اقتصادها بسرعة.
باكستان.. اتفاق مع صندوق النقد
تحتاج باكستان إلى ما يزيد على 22 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي ودفع الفواتير الأخرى للسنة المالية 2024.
وتتولى حكومة تسيير أعمال المسؤولية حتى الانتخابات التي يتعين إجراؤها بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ووصلت معدلات التضخم وأسعار الفائدة إلى مستويات ارتفاع تاريخية، بينما تبذل البلاد جهودا مضنية لإعادة الإعمار بعد فيضانات مدمرة شهدتها العام الماضي.
وتوصلت البلاد في يونيو/حزيران إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع صندوق النقد الدولي يتعلق بخطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، وتلا ذلك تعهد السعودية والإمارات بضخ نقدي بقيمة ملياري دولار ومليار دولار على التوالي.
وكانت الاحتياطيات، التي انخفضت إلى 3.5 مليار دولار، قد انتعشت إلى 7.8 مليارات دولار بحلول أواخرأغسطس/آب.
ويقول المراقبون إنه قد يكون لدى باكستان ما يكفي لوصولها إلى مرحلة الانتخابات، لكن هناك أسئلة رئيسية حول المدة التي ستتمكن فيها من تفادي التخلف عن السداد دون الحصول على الكثير من الدعم.
السلفادور.. تهدئة المخاوف
تحولت السلفادور من حالة اليأس والتخلف عن السداد إلى سوق السندات المفضلة مدفوعة بعمليتي إعادة شراء ديون مفاجئتين وتعيين مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي مستشارا لوزارة المالية.
وانخفض سعر سندات اليورو استحقاق 2025 في صيف 2022 إلى ما يقل قليلا عن 27 سنتا للدولار متأثرا بارتفاع تكاليف خدمة الدين والمخاوف المتعلقة بخطط التمويل والسياسات المالية. وجرى تداول السندات ذاتها عند 91.50 سنتا في 31 أغسطس/آب الماضي.
وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 77% في ديسمبر/كانون الأول، أي أدنى مستوى منذ عام 2019.
وقد أدى جدول سداد ديونها الخفيف نسبيا حتى عام 2027، والشعبية العالية للرئيس نجيب أبو كيلة، إلى تهدئة المخاوف من احتمال تخلف البلاد عن السداد.
تقدر المؤسسات الكبرى تكلفة إعادة البناء بعد الحرب بتريليون يورو على الأقل
كينيا.. أزمة ديون
يقول البنك الدولي إن الدين العام للدولة الواقعة في شرق أفريقيا يبلغ ما يقرب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعرضها لخطر أزمة ديون محتدمة.
ورشدت حكومة الرئيس وليام روتو الإنفاق واقترحت مجموعة من الزيادات الضريبية، الأمر الذي هدأ بعض المخاوف بشأن تخلف وشيك عن السداد.
ويجري بنك التنمية الأفريقي محادثات مع كينيا للحصول على مبلغ 80.6 مليون دولار لمساعدتها على سد فجوات التمويل لديها هذا العام، كما يناقش أيضا دعم الميزانية من البنك الدولي.
لكن المخاوف لا تزال قائمة، إذ رفضت المعارضة السياسية العديد من الزيادات الضريبية التي أقرها روتو، كما أجبرته الاحتجاجات على وقف بعض الإصلاحات مثل خفض دعم الوقود.
أوكرانيا.. إعادة بناء
جمدت أوكرانيا مدفوعات الديون في أعقاب الحرب الروسية العام الماضي، وقالت إنها من المرجح أن تقرر في أوائل العام المقبل ما إذا كانت ستسعى لتمديد الاتفاق المتعلق بالمدفوعات أو تبدأ النظر في بدائل أخرى أكثر تعقيدا.
وتقدر المؤسسات الكبرى أن تكلفة إعادة البناء بعد الحرب ستبلغ تريليون يورو على الأقل.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن أوكرانيا تحتاج إلى ما بين 3 و4 مليارات دولار شهريا لمواصلة تسيير شؤونها.