الرباط – استفاقت مدينة مراكش المغربية صباح أمس السبت على تبعات زلزال مدمر حُدد مركزه بجماعة (بلدية) إغيل في إقليم الحوز التابع لجهة مراكش-آسفي.

وأسفر الزلزال، الذي بلغت قوته 6.9 درجات على سلم ريختر، عن وفاة أكثر من ألفي شخص إلى جانب مئات الجرحى، الكثير منهم في حالة حرجة، في حين سجل إقليم الحوز -مركز الزلزال- 542 وفاة في حصيلة أولية.

ويعيش في إقليم الحوز نحو 572 ألف نسمة يعيش معظمهم في جماعات (بلديات) قروية جبلية، حسب نتائج آخر إحصاء عام للسكن، ويتميز بتنوع تضاريسه التي يغلب عليها الطابع الجبلي.

مدينة البهجة والسياحة

ولم تسلم مدينة مراكش من تبعات الزلزال، إذ كشفت حصيلة الضحايا الأولية عن وفاة 13 شخصا بالمدينة، وتضرر وسقوط عدد من المباني خاصة في المدينة القديمة، وقضى سكان مراكش والسياح ليلهم في الشوارع والساحات العامة للنجاة بأنفسهم بعدما تحركت الأرض تحت أقدامهم.

“مدينة البهجة” – كما يُطلق عليها – تعد من أهم المدن المغربية نظرا لشهرتها العربية والعالمية بصفتها منطقة سياحية، إذ تضم معالم تاريخية مهمة تعكس قوة الدول التي مرت بها خاصة المرابطين والموحدين.

يقول الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إن موقع مدينة مراكش في حوض تانسيفت-الحوز يجعلها تمتلك مجموعة من عوامل الجذب الاقتصادي سواء تعلق الأمر بالخدمات أو السياحة.

وأشار، في حديث للجزيرة نت، إلى أنها تصنف في صدارة المناطق الجاذبة للاستثمارات والتدفقات السياحية، كما أنها منطقة معروفة بأحواضها الفلاحية الكبرى، وبقربها من الأحواض الفوسفاتية حيث تنشط بشكل كبير الصناعات الاستخراجية.

ويعتمد اقتصاد المدينة بشكل أساسي على النشاط السياحي والصناعة التقليدية، إضافة إلى أنها معروفة بسياحة المؤتمرات والتظاهرات الدولية.

وتجذب “المدينة الحمراء” – يطلق عليها هذا الاسم لحمرة مبانيها -، السياح من مختلف دول العالم، فيأتيها الباحثون عن الطقس المعتدل في الربيع والخريف للاستمتاع بجمال الطبيعة، ويزورها محبو التزلج على الثلوج لقضاء أوقات ممتعة في المحطات الجبلية المجاورة، ويقصدها الراغبون في تسلق الجبال لصعود جبل توبقال، أعلى قمة جبلية في المملكة، ورغم حرارة الجو صيفا، فإن سحر المدينة لا يخبو، بل تجدها تغص بالزوار من الداخل والخارج.

وتستقطب مراكش ما يقارب نصف النشاط السياحي المحلي بفضل بنيتها السياحية، إذ تضم حوالي 70 ألف سرير في 250 فندقا مصنفا، وأكثر من 1300 دار ضيافة، حسب بيانات 2022.

وخلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، تم الترخيص لنحو 160 مشروعا للإيواء السياحي بطاقة استيعابية تبلغ 7850 سريرا، وينتظر أن يوفر 5028 فرصة عمل مباشرة، وتعززت البنية الفندقية بفتح 25 مؤسسة جديدة للإيواء.

ووفق لبيانات مرصد السياحة، بلغ عدد السياح الوافدين إلى مطار مراكش المنارة في شهر يونيو/حزيران الماضي 265 ألف مسافر، مقابل 77 ألفا إلى مطار المسيرة بأكادير، التي تعدّ أيضا وجهة سياحية مفضلة للسياح بعد مراكش.

وبلغ عدد ليالي المبيت في يونيو/حزيران الماضي في مراكش 707 آلاف ليلة مقابل 530 ألف في العام 2022.

وتشير بيانات مرصد السياحة إلى أن عدد السياح الوافدين إلى مراكش في الفصل الأول من السنة الجارية، أي ما بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، عبر مطار مراكش المنارة بلغ مليونا و652 ألفا، مقابل 876 ألفا سنة 2022، في حين بلغت ليالي المبيت خلال الفترة نفسها 4 ملايين و384 مقابل مليونين و35 ألفا في الفترة ذاتها عام 2022.

وارتفعت عائدات السفر من العملة الأجنبية الناتجة عن النشاط السياحي لغير المقيمين بالمغرب إلى 48 مليار درهم (حوالي 4.7 مليارات دولار) مقابل 28  مليار درهم (2.7 مليار دولار) في الفترة ذاتها من السنة الماضية بارتفاع 69%.

حرفيو مراكش المبدعون

تعتبر الصناعة التقليدية جزءا مهما من النشاط الاقتصادي للمدينة الحمراء، فهي مصدر رزق لجزء مهم من المراكشيين.

ويقدر عدد الحرفيين بمراكش بحوالي 120 ألف صانع تقليدي، يشكلون 50% من الساكنة النشيطة بالمدينة، حسب بيانات غرفة الصناعة التقليدية لجهة مراكش-آسفي، كما أن نحو 80% من الصناع المشتغلين لا تتجاوز أعمارهم 40 عاما.

وحسب المصدر ذاته، تتمركز أغلب الأنشطة الحرفية بالمدينة العتيقة حيث يوجد 47% من المحلات المهنية، لذلك تعد المدينة القديمة مزارا رئيسيا للسياح المحليين والأجانب الباحثين عن إبداعات الصانع التقليدي المراكشي.

وتمارس بمراكش مختلف أنواع حرف الصناعة التقليدية الفنية والإنتاجية من مصنوعات نباتية وفخار ومعادن ومنتجات خشبية وجلدية ونسيج، بالإضافة إلى حرف أخرى.

ويضيف المصدر ذاته أن قطاع الصناعة التقليدية يعد المشغل الثاني بها، كما تأتي المدينة في المرتبة الثانية من حيث رقم المعاملات على الصعيد الوطني، وفي المرتبة الأولى فيما يخص مؤشر التصدير، وتعدّ دول الاتحاد الأوروبي الوجهة الأولى للمنتوجات التقليدية المحلية، تليها الولايات المتحدة الأميركية وبلدان أخرى.

/ مسجد الكتبية بمراكش

إصلاح آثار الزلزال

يتوقع بدر زاهر الأزرق أن يكون لزلزال الحوز أثر كبير على البنية التحتية السياحية، ورغم أن مراكش عاصمة الجهة لم تكن في بؤرة الزلزال، فإن بنيتها التحتية تعرضت للضرر، كما انهارت بعض الأسوار والمساجد والصوامع في المناطق الأثرية.

ورجح الأزرق أن المناطق المهدمة داخل مراكش ستعود لسابق عهدها في أقرب الآجال خاصة وأن المدينة تشهد أعمال إصلاح كبيرة منذ أسابيع من أجل استقبال اجتماعات مجلس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المقررة في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مشيرا إلى أن هذه الأشغال ستمتد لتشمل ما دمره الزلزال.

غير أن الدمار الذي شهدته نواحي مراكش وشمل مناطق شاسعة تعاني من نسب فقر وهشاشة مرتفعة وضعف البنية التحتية، يفرض -حسب المتحدث- تدخلا عاجلا من طرف الحكومة من أجل وضع برنامج لتجاوز الآثار السلبية للزلزال، وبرنامج تنموي يسهم في إخراج هذه المنطقة من عزلتها سواء على مستوى البنى التحتية أو على المستوى الاقتصادي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version