نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالا حول ما تمخّض عن قمة مجموعة بريكس التي عُقدت نهاية الشهر الماضي في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، وركزت على نقاش المجموعة لإنهاء هيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية، خاصة مع فرض عقوبات على أعضاء في المجموعة.

وقال ماثيو كرونيغ -الذي شارك في كتابة المقال مع إيما أشفورد- إنه يبدو أن بريكس تقدّم نفسها بوصفها محورا جديدا للسلطويين على النقيض من نادي الديمقراطيات، الذي تمثله مجموعة الدول السبع.

لكن التجمّع الجديد -حسب الكاتب- لديه نقاط ضعف، إذ إن هناك انقساما بين روسيا والصين اللتين تدفعان باتجاه عضوية إيران من جهة، في وقت تشعر فيه الهند والبرازيل من جهة أخرى بالقلق من أن تجعل هذه الخطوة وغيرها المجموعة من التكتلات المناهضة للولايات المتحدة، التي تهيمن على الاقتصاد العالمي.

وقال كرونيغ إن مجموعة بريكس تمتلك مجتمعة نحو 25% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقابل 60% لما تسمى بدول الاقتصاد الحر الكبرى.

من جهتها، ترى أشفورد أن أهمية توسّع بريكس مبالغ فيها، على الرغم من دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى الكتلة، وهي: السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين.

واعتبرت أن في المجموعة دولا لها سجل حافل من العداء المتبادل والنزاعات الإقليمية، لذلك من الصعب أن تشهد تعاون الهند والصين بشكل كامل في العديد من القضايا، ناهيك عن إيران والسعودية.

تباين بريكس

وتعتقد أشفورد أن المجموعة متنوّعة بشكل كبير من الناحية الاقتصادية، لكن أيا من الدول الأعضاء الجدد لا تلبي الأساس المنطقي التنظيمي الأصلي المتمثل في الجمع بين الاقتصادات النامية العالية الأداء.

وأشارت إلى أن تاريخ منظمات مثل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يؤكد أن الدول قد تتعاون في القضايا الاقتصادية خلال انخراطها في أعمال عدائية أمنية، ولدى العديد من هذه البلدان أسباب وجيهة للبحث عن طرق لبناء ثقل موازنٍ للقوة الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا.

وتقول أشفورد إنه على الرغم من الخلافات بين أعضائها، فإن بريكس -التي انطلقت عام 2006- ظلت مجموعة متماسكة إلى حد كبير حتى الآن، وتشترك جميع دولها تقريبا في المخاوف بشأن الاستخدام المتزايد للعقوبات الأميركية لتقييد التجارة والاستثمار على المستوى العالمي.

وتملك معظم هذه الدول الحوافز اللازمة لمقاومة القيود الواسعة النطاق التي تفرضها المنظمات الغربية، مثل مجموعة السبع الصناعية الكبرى أو الاتحاد الأوروبي، على غرار العقوبات المفروضة على الطاقة في روسيا، حيث كانت الهند معارضا رئيسيا لوضع سقف أكثر تقييدا للأسعار العالمية.

وعما إذا كان توسيع بريكس سيسمح لدولها -على المدى الطويل- بالتعاون والضغط على هيمنة الدولار الأميركي، يقول كرونيغ إنه لا يوجد اتفاق داخل المجموعة على هدف التخلص من الدولار. وقد أبدت روسيا القدر الأكبر من الاهتمام بهذه المسألة، لكن جنوب أفريقيا المستضيفة للقمة تقول إن الموضوع لم يكن حتى على جدول الأعمال.

ومع أن هذه البلدان معرضة للخطر بسبب اعتمادها على الدولار، فإأنها لا تملك خيارا آخر موثوقا، حيث لا يزال الدولار يهيمن على التجارة العالمية وعلى 90% من معاملات الصرف الأجنبي. وحتى تنتهي هذه الهيمنة يتعين على العديد من الجهات الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم الموافقة على إجراء التحول نحو عملة أخرى.

وتجري هذه الدول الكثير من التبادلات التجارية مع الصين، وليس مع بعضها بعضا. ولكن نظرا للقيود التي تفرضها بكين على رأس المال، والقيود المفروضة على قابلية تحويل العملة ومشاكلها الاقتصادية الأخرى، فإن العملة الصينية لا تعد بديلا مناسبا.

وأشارت أشفورد إلى أن الجدل بشأن تجاوز هيمنة الدولار معقد، فهناك القليل من الأدلة الحقيقية على أن هذه الهيمنة تتراجع، لأن هناك عددا قليلا من البدائل الحقيقية للعملة الأميركية، ولكن، كما لاحظ الباحثون، هناك احتمال قويّ لظهور رد عنيف على سياسات العقوبات الأميركية مع مرور الوقت، ويمكن أن يدفع توسع بريكس إلى البحث عن نظام بديل للمدفوعات للبنوك والشركات لتجاوز نظام سويفت الأوروبي.

لكن المشكلة تكمن في أن معظم دول بريكس لا تخضع للعقوبات، وجميعها لديها مصلحة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع الدول التي تخضع للعقوبات، لذلك تخشى أن تستهدفها الولايات المتحدة في المستقبل.

يرى كرونيغ أن هناك مبررا نظريا وراء عدم رغبة البلدان في الاعتماد على الدولار، ولكن من أجل الابتعاد عنه، يجب أن يكون هناك بديل قابل للتطبيق، لكنه غير موجود حاليا.

فعلى سبيل المثال، أنشأت أوروبا وإيران آلية “إنستكس” لمحاولة الالتفاف على النظام المالي الأميركي لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لكنها لم تنجح. واضطر الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء ما كان في الأساس نظام مقايضة.

وحسب كرونيغ، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قلقة من خروج المنافسة عن نطاق السيطرة، وهي تحاول وضع حواجز الحماية في مكانها الصحيح، لكن هذا النهج يخاطر بإحداث تأثير معاكس من خلال جعل الحزب الشيوعي الصيني يعتقد أن له اليد العليا.

وأضاف كرونيغ أن واشنطن تحاول “التخلص من المخاطر” من خلال فرض ضوابط على الصادرات ضد الصين لحماية مجالات الأمن القومي الحساسة، في حين تظل مفتوحة للأعمال التجارية في مجالات أخرى. لكن مسؤولين صينيين يعتقدون أن واشنطن منخرطة في حرب اقتصادية شاملة تهدف إلى وضع الصين في حالة ركود.

ويرى كرونيغ أن التخلص من المخاطر هو النهج الصحيح من الناحية النظرية. ومن الناحية العملية، من الصعب معرفة أين يمكن رسم الخط الفاصل بين ما هو مسموح وما هو غير مسموح به.

وبالإضافة إلى الفصل الصعب في المجالات التي تتعلق بالأمن القومي، ينبغي أن يشمل الحد من المخاطر أيضا اتخاذ تدابير تعويضية، مثل التعريفات الجمركية، لمواجهة الممارسات التجارية في الصين، وهي ممارسات لا تهدد الأمن القومي الأميركي بشكل مباشر، ولكنها تنتهك قواعد ومعايير التجارة الدولية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version