رحل منذ قليل الفنان القدير نبيل الحلفاوي عن عمر ناهز 77 عاما، بعد تعرضه لوعكة صحية شديدة نتيجة مشاكل في الجهاز التنفسي، وتم نقله إلى المستشفى حيث وُضع تحت الرعاية في غرفة العناية المركزة، إلا أن حالته الصحية تدهورت بشكل كبير في الساعات الأخيرة، مما أدى إلى وفاته.

وقبل دقائق، أعلن خبر وفاة الفنان الراحل نجلاه وليد وخالد عبر تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر جاء فيها “… الوالد ربنا استجاب لدعاه ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل، كان دائما يدعي وربنا ماخذلوش، شكرا على كل الحب والدعاء.. “.

ونعى الحلفاوي عدد من الفنانين، جاء في مقدمتهم الفنان كريم عبد العزيز الذي كتب عبر حسابه على منصة إكس “إنا لله وإنا إليه راجعون.. وفاة الفنان القدير نبيل الحلفاوي اللهم اغفر له وارحمه.. خالص العزاء لأسرته الكريمة وجمهوره”.

وكتب الفنان أكرم حسني عبر حسابه على فيسبوك “إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، بمزيد من الحزن والأسى أنعي الأستاذ الكبير المحترم نبيل الحلفاوي والد إخوتي خالد ووليد اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك وألهم أهله الصبر والسلوان نسألكم الدعاء”.

وكتب الفنان عمرو محمود ياسين “ببالغ الحزن والأسى، ننعى رحيل الفنان القدير نبيل الحلفاوي، الذي غادر دنيانا تاركا خلفه إرثا فنيا خالدا يشهد له الجميع. لقد كان رمزا من رموز الفن المصري والعربي، صاحب الأداء المتميز والحضور البارز الذي أثر في قلوب الملايين بأعماله الراقية وإنسانيته النبيلة”.

مسيرة فنية غنية

بأداء جمع بين الأصالة والاحتراف، نجح الممثل المصري نبيل الحلفاوي على مدار مسيرته الفنية التي تمتد لأكثر من 50 عاما في ترك بصمة خالدة في تاريخ الدراما والسينما المصرية، بفضل الأعمال المميزة التي قدمها والمواقف الإنسانية التي اشتهر بها.

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب بالقاهرة عام 1947، وتميز أداؤه بالنضج الذي لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتاجا لتجارب غنية وخبرات متنوعة. صقل موهبته من خلال الوقوف على خشبة المسرح، إلى جانب دراسته الأكاديمية بمعهد الفنون المسرحية، حيث تخرج منه في سبعينيات القرن الماضي.

ورغم الشهرة الجماهيرية التي حظي بها في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، فإن الحلفاوي بدأ مسيرته بأدوار صغيرة في سبعينيات القرن الماضي، ساعدته على الانتشار والتألق، فقد ظهر في مسلسلات مثل “العصابة” و”قرية الرعب” و”الجريمة” و”القضية 512″، وشارك في أعمال مسرحية بارزة مثل “أنطونيو وكليوباترا” و”عفريت لكل مواطن”.

في الثمانينيات، انطلق الحلفاوي نحو الانتشار الأوسع، حيث عمل مع المخرج نادر جلال في أفلام عديدة مثل “المحاكمة” بطولة محمود ياسين، “ثمن الغربة” مع عادل أدهم، و”شبكة الموت” أمام نادية الجندي، و”اغتيال مدرسة” مع نبيلة عبيد وإخراج أشرف فهمي. كما قدم أعمالا أخرى لافتة مثل “فقراء لا يدخلون الجنة”، و”الأوباش”، و”العصابة”.

كان لهذه الفترة أيضا دور مهم في مسيرته التلفزيونية، حيث التقى بالمؤلف أسامة أنور عكاشة وشارك في مسلسل “الحب وأشياء أخرى”، كما تعاون مع المخرجة إنعام محمد علي. وبرز في “ثلاثية الحب والكهف والوهم”، التي تناولت صراع الطبقات قبل وبعد ثورة 1952.

تنوع في الدراما والأداء

تراكمت خبرات الفنان القدير نبيل الحلفاوي عبر سنوات من التعاون مع كبار صُناع السينما والدراما والمسرح، مما أهّله للانتقال إلى مرحلة أكثر نضجا وتألقا، حيث اكتسب شهرة واسعة بفضل تنوعه بين السينما والمسرح والدراما، وأدائه المتعدد الأوجه.

ما يميز نبيل الحلفاوي هو قدرته الفريدة على التنقل بسلاسة بين أنماط وألوان مختلفة من الشخصيات، متجنبا الانحصار في إطار نمطي. تألق في أدوار متنوعة أبرزها شخصية العقيد محمود، قائد التدريب في فيلم “الطريق إلى إيلات”، والذي كان ملقبا فيه باسم “القبطان” وهو اللقب الذي لازمه فيما بعد بين الجمهور.

ولم ينسَ له الجمهور أيضا دور نديم قلب الأسد في مسلسل “رأفت الهجان”، الذي عكس عمقا فكريا ومكانة راسخة كفنان مثقف وواعٍ.

تميز الحلفاوي أيضا بتقديم الشخصيات التاريخية والسير الذاتية، وقد جسد شخصية عبد الله النديم في مسلسل “أمير الشعراء: أحمد شوقي”، وشخصية جمال عبد الناصر في “دموع صاحبة الجلالة” مع المخرج يحيى العلمي، كما تعاون مع المخرج حاتم علي لتقديم شخصية علي ماهر باشا في مسلسل “الملك فاروق”. وشارك في أعمال دينية وتاريخية بارزة مثل “الأزهر الشريف منارة الإسلام”، و”الطريق إلى سمرقند”، و”ابن تيمية”، إلى جانب تجسيد شخصية عمر مكرم في مسرحية “رجل القلعة”، التي تناولت تاريخ مصر في عهد محمد علي باشا، تحت إخراج سعد أردش.

أشهر مشهد من فيلم الطريق إلى إيلات

أدوار درامية معقدة

أبدع الحلفاوي في تقديم شخصيات تحمل صراعات نفسية داخلية بأداء نابض بالحياة، كان من أبرز شخصية المعلا قانون في مسلسل “غوايش”، التي حققت له انطلاقة واسعة في عالم الدراما التلفزيونية، بالإضافة إلى شخصية زكريا بن راضي في مسلسل “الزيني بركات” مع المخرج يحيى العلمي، حيث قدم أداء متميزا في مواجهة تمثيلية قوية مع أحمد بدير، كما تألق في دور رفاعي في مسلسل “زيزينيا”.

أعمال سينمائية لافتة

على الشاشة الكبيرة، كانت تجربته مع المخرج الراحل محمد خان في فيلم “سوبر ماركت” من المحطات البارزة في مسيرته الفنية، حيث قدم أداء متقنا عكس عمق الشخصية. كما برع في تقديم أدوار الشر باحترافية عالية، ولم تغب عنه اللمسات الكوميدية التي ظهر بها في فيلم “العميل 13” مع محمد صبحي.

يعد نبيل الحلفاوي فنانا شاملا يمتلك موهبة استثنائية وقدرة على التنوع، مما جعل أدواره حية ومؤثرة، واستحق مكانته كأحد أعمدة التمثيل في العالم العربي.

استمرارية

شهدت الألفية الجديدة استمرارية نبيل الحلفاوي الذي شارك في أعمال مهمة مثل “أوراق مصرية” و”كناريا وشركاه” و”لأعلى سعر”، وقدم دويتو تمثيليا مع يحيى الفخراني في “ونوس” مع المخرج شادي الفخراني وتأليف عبد الرحيم كمال، وكان آخر ظهور له في عالم الدراما التلفزيونية من خلال “القاهرة كابول” عام 2021، و”فيلم “تسليم أهالي” 2022.

تفاعل مع الجمهور

إلى جانب التمثيل، نبيل الحلفاوي لديه شغف بالكتابة، حيث يُعبّر عن آرائه في الشأن العام والثقافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص تغريداته على منصة إكس، التي تحمل طابعا فكريا وإنسانيا، وتظهر جانبه الآخر كإنسان مُهتم بالمجتمع وأفكار الشباب. هذا التفاعل جعله قريبا من جمهوره، خاصة من الأجيال الشابة، ولقبه جمهوره بـ”عمدة الأهلاوية”، حيث اعتاد مشاركة جمهوره آراءه في المباريات، خاصة مباريات الأهلي الذي يشجعه رغم تمتعه بروح رياضية وحرصه على تهنئة نادي الزمالك أيضا، وإلى جانب اهتمامه بالتفاعل مع الأمور المصرية، فقد تفاعل أيضا عبر حسابه مع القضية الفلسطينية، خاصة بعد حرب طوفان الأقصى التي تشهدها فلسطين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مسيرة نبيل الحلفاوي تشهد على فنان جمع بين الموهبة والدراسة، وقدم أدوارا صنعت مكانته كأحد أعمدة الفن المصري قبل أن يرحل عن عالمنا عن عمر يناهز 77 عاما.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version