رفضت الأديبة الكورية الجنوبية هان كانغ (53 عاما)، وهي أول كورية وآسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب، عقد مؤتمر صحفي في أعقاب فوزها بالجائزة أمس الخميس، مشيرة إلى المآسي العالمية الناجمة عن الحرب في العالم.

ونقل والدها، الروائي الشهير هان سونغ وون، البالغ من العمر 85 عامًا، رسالتها خلال مؤتمر صحفي في مدرسة هان سونغ وون الأدبية في جانجهيونج، بمقاطعة جولا الجنوبية.

وقال الوالد “قالت لي (هان كانغ) مع تصاعد الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرا صحفيا؟”.

وأضاف “إنها لن تعقد مؤتمرا صحفيا”، بحسب ما نقلت صحيفة هانكوك إلبو الكورية الجنوبية العريقة ونسختها الإنجليزية صحيفة كوريا تايمز.

وأوضح “كنت أخطط لإقامة حفل هنا من أجل السكان المحليين، لكن ابنتي أخبرتني ألا أفعل. وقالت: من فضلك لا تحتفل بينما نشهد هذه الأحداث المأساوية” (في إشارة إلى حربي أوكرانيا، وإسرائيل على غزة ولبنان).

كما نصحت هان كانغ والدها بعدم إقامة مأدبة احتفالية في المدرسة الأدبية. وتحرص الكاتبة على البقاء بعيدا عن الأضواء.

وتابعت الكاتبة قائلة لأبيها “لم تمنحني الأكاديمية السويدية هذه الجائزة للاستمتاع بها، بل لكي أحافظ على صفاء ذهني”.

وتتميز هان كانغ ايضا بكونها امرأة ملتزمة؛ فهي كانت مدرجة في “قائمة سوداء” تضم نحو عشرة آلاف شخصية ثقافية في كوريا الجنوبية متهمة بانتقاد الرئيسة بارك غن هاي التي تولت السلطة بين عامي 2013 و2017.

واتُهم عدد من المقربين من السلطة بأنهم أرادوا حرمان هؤلاء الفنانين من أي مساعدة عامة أو أي تمويل خاص، فضلاً عن وضعهم تحت المراقبة.

وبالتزامن، يتسابق الناس في كوريا الجنوبية اليوم الجمعة لشراء أعمال الفائزة نوبل للآداب لعام 2024، في وقت تعطلت فيه خدمات المواقع الإلكترونية بسبب الضغط الشديد.

مبيعات هائلة

وذكر مركز كيوبو -أكبر سلسلة متاجر كتب في البلاد- أن مبيعات كتب هان شهدت قفزة هائلة اليوم الجمعة، إذ نفدت المخزونات على الفور تقريبا.

ووُضعت الجمعة لافتة توضح أن كل كتب هان كانغ باللغة الكورية بيعت، ولم يتبق على الرفوف سوى عدد قليل من الطبعات باللغة الإنجليزية، حسب المركز.

وقال كيم هيون جونغ، الناطق باسم كيوبو، لوكالة الصحافة الفرنسية: “نحن سعداء جدا. من المذهل أن نرى هذا العدد الكبير من الناس دفعة واحدة يرغبون في قراءة كتب”.

وفسر حماسة الناس لشراء كتب كانغ بأنها الأولى باللغة الكورية التي تنال جائزة نوبل للآداب، فيما قدرت مصادر عدد المبيعات -حتى نشر هذا التقرير- بقرابة 100 ألف نسخة خلال اليوم الجمعة، أي أكثر بمئات المرات من اليوم السابق.

وارتفعت بنسبة قاربت 30% أسعار أسهم المكتبات عبر الإنترنت على غرار “يس 24″ و”ميلّي سيوجاي” الجمعة، مما أدى إلى تعليق التداول بها.

وقال يون كي-هيون (32 عاما) في أثناء زيارته مكتبة وسط سول إن “هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها كوري جنوبي على جائزة نوبل في الأدب، فيا له من شعور”.

وأضاف أن “كوريا الجنوبية لم تحقق إنجازات تذكر في نيل جوائز نوبل، لذا فوجئت بأخبار فوز كاتبة تؤلف كتبا بغير الإنجليزية، أي باللغة الكورية، بهذه الجائزة المرموقة”.

وبعد وقت قصير من إعلان أمس الخميس، تعطلت بعض مواقع المكتبات الإلكترونية بسبب التدفق الكبير للزوار. ووفقا لموقع كيوبو صباح اليوم الجمعة، فإن 9 من بين أفضل 10 كتب مبيعا كانت من تأليف هان.

من جهته، قال والد هان كانغ، الكاتب المرموق هان سونج-وون، إن ترجمة روايتها “النباتية” إلى لغات أخرى دفعتها نحو العالمية، وساهمت في حصولها على جائزة مان بوكر الدولية عام 2016، والآن جائزة نوبل.

وأوضح قائلا: “كتابة ابنتي حساسة للغاية وجميلة وحزينة”.

وتابع “لذا، فإن أسلوب ترجمة هذه الجمل الحزينة إلى لغة أجنبية هو الذي سيحدد إذا ما كنت ستفوز… ويبدو أن المترجم كان الشخص الأنسب لنقل الطابع الفريد للغة الكورية”.

ومنذ أمس الخميس، لم تدل هان بأي تصريحات وتجنبت المقابلات المنفصلة ووسائل الإعلام، في حين قال والدها اليوم الجمعة إنها قد تستمر في تجنب الأضواء.

وأضاف أن ابنته قالت “إنه في ظل الحروب الضارية بين روسيا وأوكرانيا وإسرائيل والفلسطينيين وسقوط قتلى كل يوم، كيف يمكنني الاحتفال وعقد مؤتمر صحفي مبهج؟”.

وتابع قائلا إن ابنته تلقت خبر فوزها قبل الإعلان بنحو 10 إلى 15 دقيقة، وإنها كانت مندهشة للغاية، لدرجة أنها اعتقدت في لحظة ما أن الأمر قد يكون خدعة.

وأوضحت الأكاديمية السويدية أن هان كانغ، التي تكتب قصائد وروايات باللغة الكورية، نالت الجائزة “عن نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية”.

روايات الهشاشة الإنسانية

في مجمل أعمالها، تتعرض هان للصدمات التاريخية ومجموعات الأعراف والقواعد المجتمعية غير المرئية، وفي كل من أعمالها تكشف عن هشاشة الحياة البشرية.

كما أن لديها وعيا فريدا بالعلاقات بين الجسد والروح، وبين الأحياء والأموات، وقد أصبحت بأسلوبها الشعري والتجريبي مبتكرة في النثر المعاصر، حسب تعبير الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل.

أتى نجاح هان كانغ الدولي الكبير مع رواية “النباتية” (2007) التي كتبتها في 3 أجزاء، والتي تصوّر العواقب العنيفة التي تنجم عندما ترفض بطلتها يونغ هاي الامتثال لقواعد تناول الطعام.

يُقابل قرارها بعدم أكل اللحم بردود فعل متنوعة تمامًا؛ يتم رفض سلوكها بالقوة من قبل زوجها ووالدها المتسلط، ويتم استغلالها جنسيا وفنيا من قبل زوج شقيقتها، وهو فنان فيديو يستغل جسدها.

في النهاية، تُساق إلى عيادة نفسية، حيث تحاول أختها إنقاذها وإعادتها إلى الحياة الطبيعية. ومع ذلك، تنغمس يونغ هاي في حالة تشبه “الذُّهان” تُعبّر عنها من خلال “الأشجار الملتهبة”، لتكون رمزا لمملكة نباتية جذابة بقدر ما هي خطيرة.

في رواية “أفعال بشرية” (2014)، تستخدم هان حدثا تاريخيا وقع بمدينة غوانغجو بوصفه أساسا سياسيا لها، حيث نشأت، وقُتل مئات الطلاب والمدنيين العزل خلال مجزرة نفذها الجيش الكوري الجنوبي عام 1980.

وفي سعيها لإعطاء صوت لضحايا التاريخ، تواجه الرواية هذا الحدث بتجسيد قاسٍ، وبذلك تقارب نوع أدب الشهادات.

في عملها “الكتاب الأبيض” (2016) يسود مرة أخرى الأسلوب الشعري لهان كانغ؛ الكتاب هو مرثية مكرسة للشخص الذي كان من الممكن أن يكون الأخت الكبرى للسارد، ولكنها توفيت بعد ساعات قليلة من ولادتها.

ومن خلال سلسلة من الملاحظات القصيرة، وكلها تتعلق بأشياء بيضاء، يتشكل العمل ككل بصورة ترابطية من خلال هذا اللون الذي يعبر عن الحزن.

وفي عملها “لا تقل وداعا” (2021)، الذي يتصل من حيث تصويره للألم بـ”الكتاب الأبيض”، تستمر القصة في ظل مذبحة وقعت أواخر الأربعينيات في جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية، حيث قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم أطفال وكبار السن، بشبهة أنهم متخابرون مع العدو.

يصور الكتاب عملية الحداد المشتركة التي يقوم بها السارد وصديقته إنسيون، اللذان يحملان معهما صدمة مرتبطة بالكارثة التي حلت بأقاربهما حتى بعد وقت طويل من الحدث.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version