تعتبر كارثة هيلزبره واحدة من أكثر الصفحات سواداً في تاريخ الرياضة العالمية عامة، والكرة الإنجليزية خاصة، حيث تحولت مباراة كرة قدم منتظرة إلى ساحة للموت والرعب. لم تكن تلك الحادثة مجرد تدافع عابر، بل كانت مأساة إنسانية متكاملة الأركان راح ضحيتها عشرات الأبرياء، بينهم العديد من الأطفال والشباب الذين وجدوا أنفسهم محاصرين تحت وطأة التدافع البشري والأسوار الحديدية، في مشهد لا يزال يثير الحزن والغضب حتى يومنا هذا.
تفاصيل يوم الكارثة: عندما توقف الزمن في شيفيلد
وقعت الكارثة في 15 أبريل 1989، خلال مباراة نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين ليفربول ونوتنغهام فورست في ملعب هيلزبره بمدينة شيفيلد. بدأت المأساة نتيجة لسلسلة من الأخطاء التنظيمية وسوء إدارة الحشود من قبل الشرطة، التي سمحت بدخول آلاف المشجعين إلى مدرج "ليبينغز لين" المكتظ بالفعل. أدى هذا القرار الكارثي إلى تدافع مميت، حيث انحشرت الجماهير في الممرات الضيقة واعتصرت الأجساد ضد السياج الحديدي الفاصل عن الملعب.
في تلك اللحظات المرعبة، تحولت المدرجات إلى مصيدة موت. لم يكن "الدهس" هنا بمعنى عجلات السيارات، بل كان دهساً بالأقدام واختناقاً تحت ضغط الأجساد المتراكمة، حيث لفظ 97 مشجعاً أنفاسهم الأخيرة، وكان العديد منهم من الأطفال والمراهقين الذين لم تتحمل أجسادهم الصغيرة قوة الضغط الهائل.
الأطفال والضحايا: الوجه الأكثر إيلاماً للمأساة
لعل الجانب الأكثر قسوة في هذه الكارثة هو عدد الأطفال والشباب الذين فقدوا حياتهم. لقد خرج هؤلاء الصغار لتشجيع فريقهم المحبوب، لكنهم عادوا في توابيت. تشير السجلات إلى أن نسبة كبيرة من الضحايا كانوا دون سن العشرين، ومن بينهم جون بول جيلهولي، ابن عم أسطورة ليفربول ستيفن جيرارد، الذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات فقط، ليكون أصغر ضحية في الكارثة. هذه القصص الفردية للأطفال الذين قُضت أحلامهم تحت الأقدام والأسوار هي التي جعلت من هيلزبره جرحاً لا يندمل في ذاكرة مدينة ليفربول.
المعركة من أجل العدالة والحقيقة
لم تنته المأساة عند صافرة الحكم بإلغاء المباراة، بل بدأت بعدها معركة طويلة ومريرة من أجل العدالة. لسنوات طويلة، حاولت السلطات وبعض وسائل الإعلام إلقاء اللوم على الجماهير، واصفين إياهم بالمشاغبين. لكن عائلات الضحايا خاضت نضالاً استمر لأكثر من ربع قرن لتبرئة ذويها. وفي عام 2016، وبعد تحقيقات مطولة، أقرت هيئة المحلفين بأن الضحايا قُتلوا بشكل غير قانوني بسبب إهمال الشرطة والدفاع المدني، مما أعاد الاعتبار لجماهير ليفربول وأثبت أنهم كانوا ضحايا سوء التنظيم وليسوا سبباً فيه.
التأثير العالمي: كيف غيرت هيلزبره معايير السلامة؟
كان لكارثة هيلزبره تأثير زلزالي على البنية التحتية للملاعب الرياضية حول العالم. عقب الحادثة، صدر "تقرير تايلور" الشهير الذي وضع توصيات صارمة غيرت وجه كرة القدم الحديثة. من أهم هذه التغييرات:
- إزالة الأسوار الحديدية: تم حظر السياج الذي كان يفصل الجماهير عن الملعب، والذي كان السبب الرئيسي في حصار الضحايا وموتهم دهساً واختناقاً.
- الملاعب ذات المقاعد بالكامل: تم إلغاء مناطق الوقوف في الملاعب الكبرى في إنجلترا وأوروبا، واستبدالها بمقاعد مرقمة للتحكم في أعداد الجماهير ومنع التكدس.
- تطوير أنظمة المراقبة وإدارة الحشود: أصبحت سلامة المشجعين الأولوية القصوى، مع تحسين بوابات الدخول والخروج وأنظمة الطوارئ.
تظل كارثة هيلزبره تذكيراً دائماً بأن سلامة الإنسان أهم من أي مباراة، وأن "لن تسير وحدك أبداً" ليس مجرد شعار، بل هو عهد قطعته جماهير ليفربول لتخليد ذكرى الـ 97 مشجعاً الذين فقدوا حياتهم في تلك الظهيرة المأساوية.
The post كارثة هيلزبره: حقائق مأساة جماهير ليفربول وتأثيرها appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.




