بلغت الدراما السياسية في فرنسا ذروتها يوم الرابع من ديسمبر/كانون الأول عندما أطاح مجلس النواب بالحكومة لأول مرة منذ أكثر من 60 عاما، تاركا الرئيس إيمانويل ماكرون يكافح للعثور على رئيس وزراء جديد يتمتع بدعم كافٍ لتجنب مصير ميشيل بارنييه، رئيس الوزراء المنتهية ولايته.
وقال موقع بلومبيرغ إن أي حكومة جديدة ستواجه القيود المالية والسياسية نفسها التي أغرقت إدارة بارنييه، ولأنه لا يمكن إجراء انتخابات تشريعية جديدة قبل يوليو/تموز على أقرب تقدير، فلا يمكن إيجاد حل سريع للجمود في البلاد.
3 كتل
وأشار الموقع -في تقرير بقلم سامي أدغيرني وويليام هوروبين- إلى حل ماكرون مجلس النواب بعد انتصار التجمع الوطني اليميني “المتطرف” بزعامة مارين لوبان في الانتخابات الأوروبية، الذي أتى بنتائج عكسية، حيث انقسمت الجمعية الوطنية إلى 3 كتل لا يمكن التوفيق بينها، تحالف يساري، ووسط متقلص يدعم ماكرون، ومجموعة قومية موسعة بقيادة لوبان.
واستغرق ماكرون شهرين لتعيين بارنييه، على أمل أن يتمكن المفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من تجاوز الانقسامات العميقة، ولكن مناقشات ميزانية 2025 أدت إلى تفاقم التوترات، وعندما استخدم رئيس الوزراء أداة دستورية لتجاوز التصويت على مشروع قانون ذي صلة، انضمت لوبان إلى اليسار لدعم اقتراح بحجب الثقة أسقط الحكومة.
ماذا حدث بعد ذلك؟
ومع أن الرئيس الفرنسي هو المسؤول الوحيد عن اختيار رئيس وزراء جديد دون حد زمني دستوري، فقد أكد ماكرون في خطاب للأمة إنه سيعين رئيس وزراء جديد في “الأيام المقبلة”، وستكون المهمة الأولى للحكومة الجديدة هي اقتراح تشريع خاص لتجنب الإغلاق قبل تمرير ميزانية جديدة، لأن فرنسا تحتاج بشكل عاجل لمعالجة التحديات المالية التي تواجهها.
غير أنه لا يوجد مرشح واضح قادر على قيادة الأغلبية في الجمعية الوطنية المنقسمة بشدة، ويرى حلفاء ماكرون أن أحد الخيارات هو فرانسوا بايرو، الوسطي المخضرم المرتبط ارتباطا وثيقا بماكرون والذي سعى على مدار مسيرته السياسية الطويلة إلى العمل مع كل من الاشتراكيين والمحافظين.
وأشار الموقع إلى احتمال اختيار الرئيس الفرنسي شخصا من حكومته المنتهية ولايتها مثل وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو أو وزير الداخلية برونو ريتيلو، إلى جانب بيرنار كازينوف، رئيس الوزراء السابق للرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، بعد أن فكر ماكرون في تعيينه بدلا من بارنييه.
ولتجنب تكرار ما حدث، يجب على ماكرون ورئيس وزرائه الجديد -حسب الموقع- إيجاد طريقة لتفكيك الجبهة الشعبية الجديدة وتأمين الدعم الضمني من المعتدلين لعدم انتقاد الإدارة، وقال الزعيم الاشتراكي أوليفييه فوري في السادس من ديسمبر/كانون الأول إنه مستعد لبدء الحديث مع ماكرون حول الدعم المحتمل لحكومة جديدة بقيادة رئيس وزراء من اليسار.
كيف تتفاعل الأسواق؟
وأدى عدم اليقين في باريس بشأن مستقبل حكومة بارنييه وميزانيتها إلى تأجيج مخاوف المستثمرين بشأن المالية العامة المتوترة في الأسابيع الأخيرة، وتحت ضغط البيع، ارتفعت تكاليف اقتراض الدولة مقارنة بأقرانها في مرحلة ما إلى مستويات لم تشهدها منذ أزمة ديون منطقة اليورو قبل أكثر من عقد من الزمان.
وخلص الموقع إلى أن المأزق السياسي اليوم جعل بعض أحزاب المعارضة تدعو ماكرون للاستقالة، لكنه ما زال مصرا على أنه سيستمر حتى نهاية ولايته الثانية عام 2027، وقال “بقي لدينا 30 شهرا من التفويض الذي منحتموني إياه. 30 شهرا حتى تتمكن الحكومة من العمل لجعل فرنسا دولة أكثر عدالة وقوة”.