رام الله- في خِربة زَنوتا أقصى جنوبي الضفة الغربية، عاشت نحو 40 عائلة فلسطينية في كهوفها حياة الآباء والأجداد، واتخذت من فِلاحة الأرض وتربية الماشية مصدرا للرزق، لكن الهدوء والسكينة التي تمتع بها الآباء والأجداد، تحولت إلى قلق وخوف ورعب بوجود المستوطنين في الوقت الحالي.
ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023 اضطرت عائلة الطل الفلسطينية من بلدة الظاهرية جنوبي الضفة الغربية، وباقي العائلات وقوامها نحو 250 فردا، إلى شد الرحال ومغادرة الخربة نحو بلدة الظاهرية القريبة، بحثًا عن مكان أكثر أمنًا.
أما السبب فكان هجوم المستوطنين المستمر ليلا ونهارا على الخربة وسكانها، وتدمير ممتلكاتهم والاعتداء عليهم ومصادرة ماشيتهم، بهدف دفعهم إلى الرحيل، وهو ما سيفتح شهيتهم للاستيلاء على نحو 20 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من الأراضي، وفق ما تحدث به الشاب عادل الطل أحد سكان الخربة للجزيرة نت.
مستوطنون تحت حماية الشرطة الإسرائيلية يسرقون أغنامًا من زنوتا جنوب الخليل pic.twitter.com/YWdLdsI3u6
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) September 9, 2024
دفع نحو التهجير
يوضح الطل، أنه مع بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ المستوطنون “يفرّغون أحقادهم في سكان التجمع، مستخدمين الضرب والتنكيل وحتى التدمير الذي طال البيوت ومدرسة أساسية في التجمع”.
لم يستسلم السكان لواقع التهجير، فخاضوا معركة قضائية في محاكم الاحتلال، انتهت بقرار يعيدهم إلى مساكنهم، وهو ما حدث يوم 21 أغسطس/آب الماضي، فعادوا، لكن سلطات الاحتلال اشترطت عليهم عدم إصلاح أي بناء دمّره المستوطنون في غيابهم.
لم تدم الفرحة طويلا، إذ عاود المستوطنون اعتداءاتهم واقتحاماتهم للتجمع، وفي آخرها شارك الجيش بحماية مستوطن أقدم على سرقة نعجة من قطيع للمواطن محمد البطاط، ليس هذا فحسب، بل تم اعتقال صاحب القطيع أيضا، يقول عادل الطل للجزيرة نت، إن تجدد الاعتداءات دفع بنصف العائلات إلى شد رحالها والهجرة ثانية.
ما جرى في خربة زنوتا، طال على الأقل 28 تجمعا فلسطينيا في الضفة الغربية تسكنها 311 عائلة، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطيني حتى الخامس من سبتمبر/أيلول 2024.
ووفق الهيئة فإن “التهجير القسري للتجمعات البدوية ما زال يحمل دلالة خطيرة، بالنظر إلى المنهجية التي تعتمدها دولة الاحتلال في فرض البيئة القهرية الطاردة على هذه التجمعات، والمتمثلة بالترويع والترهيب والتهديد، إضافة إلى الحرمان من الرعي ومصادر المياه والخدمات”.
وتشير الهيئة إلى أن المستوطنين نفذوا منذ بدء العام الحالي قرابة 1944 اعتداء، أدت إلى استشهاد 9 مواطنين في مناطق متفرقة من الأراضي الفلسطينية، واستهدفت 32% من هذه الاعتداءات التجمعات البدوية المتمركزة في السفوح الشرقية والأغوار الفلسطينية، أما منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 فبلغ عدد الشهداء برصاص المستوطنين 19 شهيدا، أغلبهم من مناطق شمالي الضفة.
أشكال مختلفة للتهجير
ومع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وسّع جيش الاحتلال عملياته في الضفة الغربية، فيما صعّد المستوطنون اعتداءاتهم، لتتشكل موجة تهجير واسعة للفلسطينيين طالت نحو 4 آلاف و450 شخصا، وفق معطيات نشرتها الأمم المتحدة.
وتتعدد الوسائل المباشرة وغير المباشرة الضاغطة نحو التهجير، وفق رصد مؤسسات حقوقية محلية وجِهات رسمية فلسطينية وأخرى أممية، منها:
- اعتداءات المستوطنين المتكررة على تجمعات فلسطينية معزولة في مناطق “ج” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ودفع سكانها للرحيل.
- توسيع ملاحقة البناء الفلسطيني في المنطقة “ج”.
- تدمير المنازل خلال الاقتحامات المتكررة خاصة شمالي الضفة.
- تسريع الهدم العقابي لذوي منفذي عمليات ضد الاحتلال.
ووفق معطيات للأمم المتحدة في الفترة ما بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و23 سبتمبر/أيلول 2024، فقد هدمت سلطات الاحتلال 1725 منشأة من المنشآت الفلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتّى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وأدّت عمليات الهدم تلك، وفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة التابع للأمم المتحدة، إلى تهجير أكثر من 4450 فلسطينيا، من بينهم نحو 1875 طفلًا، ويفيد المصدر ذاته أن عدد المهجرين يزيد عن الضعف بالمقارنة مع الفترة نفسها قبل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث هُجر 1375 فلسطينيًا، بمن فيهم 642 طفلًا.
تدمير واسع
وعن طبيعة عمليات الهدم، تفيد المعطيات الأممية بأن نحو 770 منشأة كانت مأهولة، وأنه تم هدم أكثر من 365 منشأة زراعية، وأكثر من 120 منشأة من منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، و250 منشأة يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم.
وأشارت المعطيات إلى أن 28 حادثًا من حوادث الهدم والتدمير طالت البنية التحتية، ومعظمها في طولكرم وجنين، حيث تضررت بنية شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء بشكل متكرر في تلك المناطق خلال العمليات الإسرائيلية، مما أثر على أحياء بأكملها وخارجها.
أما عن اعتداءات المستوطنين خلال نفس الفترة، فقال المكتب الأممي إنه تم تهجير 277 أسرة فلسطينية تضم 1628 فردًا، من بينهم 794 طفلًا، في سياق الأحداث المرتبطة بالمستوطنين الإسرائيليين.
وأضاف أن ما يقرب من 1390 هجمة شنّها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين، أسفر نحوُ 135 هجمة منها عن سقوط قتلى وجرحى بين الفلسطينيين، ونحو 1110 هجمة عن إلحاق أضرار بممتلكات فلسطينية.
وشكلت العمليات الإسرائيلية بمدن طولكرم وجنين وطوباس سببا مباشرا للتهجير، لكن لا توجد إحصائيات فلسطينية دقيقة لنتائج عمليات الهدم الناتجة عن الاقتحامات المتكررة للمحافظتين بما في ذلك المخيمات، فما إن تشرع الجهات المختصة في حصر الخسائر حتى يعاود جيش الاحتلال الاقتحام.
لكن وفق الأمم المتحدة حتى ، لا يزال ما لا يقل عن 245 أسرة فلسطينية -تضم 984 فردا- مهجرا، كما لحقت الأضرار بنحو 3000 وحدة سكنية، من بينها 164 وحدة باتت غير صالحة للسكن.
ويضطر السكان الذين هُدمت بيوتهم إلى البحث عن مأوى بديل، إما عن طريق الاستئجار أو السكن عند أقاربهم في مناطق لا تشملها عمليات جيش الاحتلال، المستمرة منذ أكثر من عام باقتحام مخيمات شمالي الضفة الغربية واستهداف البنية التحية والمنشآت بالجرافات الثقيلة.