تتعرض بعض الدول العربية لسيول من الأمطار خلال السنة، وتسبب كثيرا من الخسائر، بسبب انعدام تجهيزات البنية الأساسية للاستفادة من هذه السيول، على الرغم من تكرارها، ويزيد من مسؤولية الحكومات العربية في مواجهة كارثة السيول، توفر التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بالأرصاد الجوية.
وقد أظهرت السيول وجود عجز في البنية الأساسية، التي يمكن من خلالها التعامل مع تحدياتها، دون أن تؤثر على مجريات الحياة بشكل طبيعي، أو الإفادة من تلك المياه بشكل يسهم في تخفيف حدة العجز في المياه المتجددة، حدث ذلك في العديد من الدول رغم أن بعضها لديه وفرة مالية. وقد تسببت السيول في تعطيل المدارس وبعض المرافق العامة بهذه الدول.
أدوات التنبؤ
وعلى الرغم من أن السيول من الكوارث الطبيعية، التي تترك آثارًا غير محمودة اقتصاديًا واجتماعيًا، بل وسياسيًا، فإن التقدم في نظم المعلومات الجغرافية، وأدوات التنبؤ التي أتاحتها التقنيات الحديثة، جعل التعامل مع كارثة السيول أمرا ممكنًا، كما جعل الدول قادرة على تقليل الخسائر المتوقعة، بل وقادرة أيضًا على إعادة توظيف مياه السيول في استخدامات شديدة النفع، كتوظيف تلك المياه في الزراعة، التي تعد إحدى مشكلات المنطقة العربية، بسبب ندرة المياه.
ومن المهم الإشارة إلى التغيرات المناخية التي شهدها العالم على مدار السنوات القليلة الماضية، والتي ألقت بظلالها على مساحات من الكرة الأرضية، لم تكن تشهد كوارث تتعلق بالسيول، ولكنها كانت -وما زالت- تعاني من شح الأمطار، ومن بين تلك المناطق، الدول العربية.
تقديرات بعض خسائر السيول
ومن خلال مسح سريع لواقع السيول في الدول العربية، باستثناء دول الخليج، نجد أن السيول وقعت في السودان واليمن والجزائر والمغرب ومصر، وهي دول أقل من حيث الكفاءة المالية والبنية الأساسية مقارنة بدول الخليج:
- حسب دراسة بجامعة القاهرة نشرت في عام 2022 بعنوان “الإجراءات التخطيطية العالمية في مواجهة السيول في البيئة المبنية ومدى مواءمتها للحالة المصرية” فإن مصر تعرضت لـ35 سيلًا خلال الفترة من 1947 – 2020، منها 18 سيلًا صنفت على أنها شديدة، ونحو 15 سيلًا صنفت على أنها متوسطة، وقدرت الدراسة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لتلك السيول بـ1.2 مليار دولار.
- وفي اليمن، تحدث تقرير لصندوق السكان للأمم المتحدة، عن خسائر في البلاد يوليو/تموز 2024، جراء الفيضانات بتجريف مئات المنازل، حيث تضررت من السيول حوالي ألفي أسرة، وتم تدمير أو فقدان أكثر من 100 مأوى، وأصبح الحصول على مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي شبه مستحيل.
حسب توصيف التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023، تعتبر المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم شحًا في المياه
- وفي السودان كانت الخسائر أكبر بسبب انهيار سد “أربعات” الواقع في منطقة بورتسودان حيث شهدت نحو 70 قرية حول السد خسائر اقتصادية كبيرة، كما دُمرت 20 قرية أخرى، وذلك حسبما أفاد به تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
- وفي ليبيا شهدت بعض المدن في سبتمبر/أيلول 2023 فيضانات كبيرة، وكان أكثر المدن تضررًا، مدينة “درنة” بسبب انهيار سدين هناك قرب المدينة، وقدر تقرير للبنك الدولي أن المتضررين من هذه الكارثة كانوا بحدود 250 ألف شخص ما بين نازح ومفقود وقتيل.
- وفي المغرب والجزائر، شهدت مناطق بالجنوب في كلا البلدين، في السابع من سبتمبر/أيلول 2024، سيولًا خلفت أضرارا ببعض البيوت، وأدت لنزوح عدد كبير من العائلات بتلك المناطق، كما عطلت الكهرباء وخدمات أخرى، وذلك حسبما أفادت وسائل إعلام عالمية.
أزمة المياه بالدول العربية
وتظهر أهمية الإفادة من أمطار السيول، من كون المياه أصبحت عنصرًا اقتصاديًا مهمًا خلال العقود الماضية. فلم تعد المياه مجرد مكوّن مهم في قطاع الزراعة، بل في القطاع الصناعي كذلك، خاصة وأن العديد من الدول العربية تتجه لإقامة صناعات كثيفة الاستخدام للمياه، مثل الصناعات الحديدية، والإلكترونيات، والأسمدة والورق والزجاج، والمياه الغازية، وغيرها.
ويتهدد المنطقة العربية خطر توفير مياه الشرب الصالحة للاستخدام الآدمي، وتقع العديد من الدول العربية تحت خط فقر المياه المدقع، في حين يتم بمنطقة الخليج تعويض نقص المياه عن طريق عمليات التحلية لمياه البحر.
وبالتالي فإن أي فرصة للحصول على مصدر للمياه المتجددة، ينبغي الاستفادة منها، سواء كان ذلك من خلال مواسم الأمطار المعتادة، أو من غير المعتادة، أو من الأمطار الشديدة التي تصل إلى درجة السيول، والتي شهدتها بعض المدن العربية في أوقات مختلفة خلال السنوات الماضية.
وتصنف المياه كواحدة من أهم محددات التنمية في المنطقة العربية، نظرًا لندرتها، وحسب توصيف التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023، تعتبر المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم شحًا في المياه.
وعلى الرغم من أن المنطقة العربية تشغل مساحة نسبتها 9% من مساحة الأرض اليابسة، ويسكنها 5.6% من سكان العالم، فإن نصيبها من المياه المتجددة سنويًا على العالم، شديد الندرة، حيث إن نصيبها يبلغ 0.6% من المياه المتجددة فقط.
وتتجلى المشكلة بوضوح -حسبما يفيد التقرير- في أن هناك 8 دول عربية تعد من أفقر 10 دول على مستوى العالم من حيث حصة نصيب الفرد من المياه المتجددة، والتي تقل فيها حصة الفرد عن 500 م3 في السنة، وهذه الدول هي (الأردن، البحرين، الكويت، ليبيا، قطر، السعودية، الإمارات، اليمن).
اهتمام عربي قديم
وتحظى قضية الاستفادة من مياه الأمطار والسيول باهتمام علمي على المستوى العربي، سواء داخل كل قُطر على حدة، أو على المستوى الإقليمي، من خلال المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
فقد أشارت دراسة للباحث السعودي عبد الملك آل شيخ، عام 2006 بعنوان “حصاد مياه الأمطار والسيول وأهميته للموارد المائية في المملكة العربية السعودية” إلى أن المؤرخين اعتبروا أن العرب الأنباط (500 قبل الميلاد) هم أول من برع في تعميم وتطوير تقنيات حصاد الأمطار، وعبر مراحل زمنية قديمة ازدهرت تقنية حصاد الأمطار في أماكن مختلفة بالمنطقة العربية، مثل مصر والأردن وفلسطين.
وعن تجربة السعودية، تشير الدراسة إلى أن السعودية تهطل عليها كمية من الأمطار سنويا تقدر بنحو 130م3، إلا أن الاستفادة الفعلية منها لا تتعدى 10% من تلك الأمطار.
وعن الوسائل المستخدمة للإفادة من مياه الأمطار والسيول، تطرح الدراسة، عدة وسائل منها، الآبار أو البرك المعدة من الأسمنت أو البلاستيك المقوى أو الفيبر غلاس، إلا أن لها سلبيات عدة، على رأسها أنها غير مجدية اقتصاديًا مقارنة بتكلفتها.
يضاف إلى ذلك إقامة السدود وتخزين المياه خلفها لاستخدامها وقت الحاجة، وتخزين المياه في مجرى الوديان، بالإضافة إلى أن هناك وسيلة أخرى تسمى “نشر المياه” بتفريقها في أكبر مساحة ممكنة، تتشرّبها الأرض ويحتفَظ بها كمياه جوفية.
تجارب عالمية للإفادة من السيول
تناولت دراسة جامعة القاهرة عدة تجارب عالمية، للإفادة من مياه السيول، عبر الأدوات التخطيطية والإنشائية، منها ما يلي:
- هونغ كونغ: بدأت بتنفيذ إستراتيجية المدينة الإسفنجية بها للحد من مخاطر الفيضانات المفاجئة، بهدف امتصاص جزء من مياه الأمطار وتخزينها وإعادة استخدامها عند الحاجة، وتصريف الجزء الآخر طبيعيًا بطبقات التربة العميقة، بما يعزز الوظيفة البيئية للمدينة ويقلل من الجريان السطحي لمياه الأمطار وبالتالي يحد من مخاطر الفيضانات المفاجئة.
- مدينة ديلوث الأميركية: بهدف تعزيز ترشيح مياه الأمطار بالتربة للاستفادة من طبيعة التربة المسامية تم تبني تنفيذ مجموعة من الإجراءات منها : القنوات النباتية، وقنوات الترشيح، وحدائق الأمطار، ومواد الرصف المسامية.
وبهدف احتجاز مياه الأمطار تم تبني تنفيذ منشآت للتخزين أسفل سطح الأرض، وإقامة أحواض وأسطح خضراء على مستوى المباني.
- سياتل الأميركية: تبنت المدينة تنفيذ فكرة قنوات التحويل بهدف التخلص من جزء من مياه الأمطار والحفاظ على الكتلة العمرانية دون تعرضها لأية أضرار. فقد قامت بتنفيذ أنبوب يعمل على نقل مياه الأمطار خارج الكتلة العمرانية باتجاه البحر بما يعزز مستوى مقاومة الفيضانات المفاجئة في المدينة.
كما تم تبني تنفيذ مجموعة أخرى من الإجراءات تمثلت في حدائق الأمطار، والقنوات النباتية، ومواد الرصف المسامية، بالإضافة إلى تنفيذ منشآت للتخزين أسفل سطح الأرض، واستخدام التخزين المؤقت لاستعمالات الأراضي. كما تم التوجه لاستغلال الحدائق الخاصة لتصريف مياه الأمطار نحوها.
متى تكون السيول نعمة؟
عندما تحل السيول، تصنف على أنها كارثة، خاصة إذا ما كانت البنية الأساسية غير معدة لاستقبالها والتعامل معها، أو إذا لم تتوقعها نظم المعلومات الجغرافية، أو لم تقدر حجمها الطبيعي.
لكن في ضوء ما تعانيه المنطقة العربية من مشكلات تتعلق بنقص المياه، ونقص الطاقة، فإن البعض يطرح فكرة أن تكون السيول فرصة لتعويض هذا النقص، من خلال الاعتماد على الوسائل التي تمت الإشارة إليها سابقًا.
لكن ذلك يبقى مرهونا بأن تكون الكميات المتاحة من مياه السيول كافية أو تسمح بتوفير القدر الذي يمكن أن يسد ثغرات ري الزراعة أو توليد الكهرباء.
والأمر الآخر يتعلق بمبدأ التكلفة والعائد، ففي كثير من الأحيان تكون التكلفة للبنية الأساسية المطلوبة للإفادة من مياه السيول تفوق العوائد الإيجابية منها.
ولكن على كل فإن الحفاظ على الثروة البشرية والطبيعية من أراض وحيوانات، تقتضي أن تبذل البلدان القادرة ماليا لتنفيذ ما يلزم من بنية أساسية للإفادة من مياه السيول، وإن لم تتوفر هذه الملاءة المالية، يتم إخلاء مناطق السيول من السكان والثروة الحيوانية قبل حلول السيول، بما يؤدي إلى تقليل الخسائر المتوقعة.