من بين قلة من الانقلابات الأفريقية، تمسك الرئيسان الموريتاني الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والنيجري محمد بازوم بشرعيتيهما حتى وهما خلف القضبان. كان ولد الشيخ قويا جدا رغم ضعف موقفه حينما فقد السلطة بانقلاب عسكري قاده جنرالات بقيادة الرئيسين السابق والحالي على التوالي محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني.
وبين بازوم وولد الشيخ نقاط التقاء وتشابه متعددة، وبين الانقلابين نقاط تلاق، كما أن البلدين يتشابهان في تاريخهما الطويل مع الانقلابات، وبيئتيهما الصحراوية الجافة، وتعددهما العرقي والفئوي، وكونهما قبل الانقلاب الذي أطاح ببازوم من آخر بلدان الساحل استقرارا في فضاء مفعم بالانقلابات والنزاعات العرقية.
كما ينتمي كل منهما إلى جناح المدنيين في بلدين تعودا أن يحكمهما العسكريون، وكان وصولهما إلى السلطة استثناء، ففي موريتانيا كان العالم على موعد مع عرس ديمقراطي نادر، سلم بموجبه رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية العقيد الراحل ولد محمد فال السلطة للرئيس المدني الذي استطاع الوصول لمنصبه بعد جولة ثانية شاقة وصراع انتخابي مرير مع مرشح المعارضة القوي -حينها- أحمد ولد داداه.
وفي النيجر، استطاع بازوم المنتمي أيضا إلى التيار المدني والأقلية العربية الوصول إلى السلطة مدعوما من الرئيس السابق محمدو إيسوفو، بعد أن حقق بازوم فوزا صعبا بحصوله على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون لصالح خصمه ماهمان عثمان المنحدر من قومية الهوسا التي تمثل غالبية شعب النيجر.
كما أن هذين الرئيسين يجتمعان في ثقافة فرنكفونية ضاربة، وهدوء وروية لا تخطئهما العين، وينحدران كذلك من مجتمعات ريفية، حيث ولدا وعاشا ردحا من الزمن في بيئة رعوية بدوية.
ويمتاز بازوم بأنه قادم من عمق النظام السابق، أما ولد الشيخ فهو وزير في نظام أول رئيس للبلاد، قبل أن يعود إلى تجربة الاستوزار من جديد منتصف الثمانينيات، قبل أن تتم إقالته سنة 1986، ليتحول لموظف دولي بهيئات متعددة.
علاوة على أن أبريل/نيسان (عامي 2007 و2021) كان ظرفا زمانيا لانتخاب ولد الشيخ وبازوم، وتزداد المقارنات أيضا طرافة باعتبار ولد الشيخ موظفا دوليا سابقا بالنيجر، وقد أحاط نفسه طيلة فترة حكمه التي لم تكمل سنتين -مثل بازوم- بمجموعة مستشارين شاعت تسميتهم عند معارضته باسم “خلية النيجر”.
أسباب متشابهة ودعاية واحدة
أطيح بهذه الرئيسين في انقلاب عسكري قاده قائدا الحرس الرئاسي، ففي موريتانيا وضع الجنرال محمد ولد عبد العزيز حدا لحكم ولد الشيخ في السادس من أغسطس/آب 2007. وفي النيجر قام الجنرال عبد الرحمن تياني بالإطاحة ببازوم أواخر يوليو/تموز الماضي.
ومن التشابه أيضا أن الانقلابين فرضا على المؤسسة العسكرية بالبلدين، فلم يكونا محل تنسيق مع قادة الوحدات العسكرية والأمنية. ووفاء للعادة الأفريقية التقليدية فإن من يسيطر على القصر الرئاسي يخضع له الجميع، بمن فيهم قادة أركان الجيش وجنرالاته.
وكانت الحجة موحدة بين الانقلابين رغم فارق الزمن والمسافة والتاريخ والظروف، فقد كان التدهور الأمني وضعف مقاومة الخطر الإرهابي وتدهور الأوضاع الاقتصادية المعزوفة الأساسية التي استخدمها الانقلابيون لتسويغ الإطاحة بالرئيسين المنتخبين، واتهامهما سياسيا وإعلاميا بالخيانة.
خطوات متشابهة وخصوم متقاربون
على عكس الحالة النيجرية، فإن فرنسا كانت داعما أو متفهما إلى حد كبير للانقلاب العسكري على ولد الشيخ، وربما لولا الضغط الجماهيري الواسع الذي دشنته الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناوئة للانقلاب لكان لباريس موقف أكثر وضوحا في الدعم. أما الولايات المتحدة فكانت خصما للانقلاب العسكري الذي واجه أيضا غضبا أفريقيا شديدا من خلال تجميد الاتحاد الأفريقي عضوية نواكشوط.
وبخلاف هذه الحالة، فإن البلدين تشابها -وإن بتفاوت- في مواجهة الضغط الدولي، حيث واجه ولد الشيخ الغضب الشعبي والدولي ضد الانقلاب بخطوات استباقية أكسبته جماهيرية عالية من خلال قطع العلاقات المرفوضة شعبيا مع إسرائيل، في حين يقود نظام تياني الآن مواجهة أخرى محتدمة مع فرنسا، انتهت بطرد سفيرها من نيامي، رغم إصرار باريس على عدم الاعتراف بهذا الطرد.
ورغم أوجه التشابه فإن حالة البلدين مختلفة في موقف المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) حيث كانت موريتانيا قد غادرتها بداية القرن الحالي، ولذلك لم يكن لها تأثير قوي على الانقلاب ولم يكن التلويح بالتدخل العسكري واردا، عكس الحالة النيجرية التي تواجه تهديدا -يتراجع بشكل مضطرد- بالتدخل العسكري لإعادة نظام بازوم.
كما تختلفان في ضعف الإسناد الجماهيري للنظام المطاح به بالنيجر، بينما كان لولد الشيخ دعم كبير وخصوصا من معارضة انتظمت في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وأدارت مقاومة سياسية وشعبية استمرت ما يزيد على عام.
هل تتشابه النهايات والحلول؟
انتهى الانقلاب العسكري في موريتانيا باتفاق سياسي عرف باسم اتفاق دكار، وبموجبه:
– استعاد ولد الشيخ منصبه لعدة ساعات تمتع فيها بالمراسيم الرئاسية التامة، قبل أن يلقي خطاب الوداع ويعلن استقالته ويوقع مرسوم تعيين الحكومة المؤقتة.
– يتولى المجلس الأعلى للدولة الذي شكله الانقلابيون تسيير البلاد إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية مستعجلة، ويتخلى قائد الانقلاب ولد عبد العزيز عن الحكم تمهيدا لترشحه للرئاسيات كمدني مستقل بعد تقديم استقالته من الجيش.
– تشكيل حكومة انتقالية من 26 حقيبة وزارية تكون فيها الداخلية والمالية والإعلام والأمانة العامة لرئاسة الجمهورية من نصيب المعارضة، والبقية من الأغلبية البرلمانية الداعمة للانقلاب، بينما يختار زعيم الانقلاب رئيس الوزراء.
– إطلاق المعتقلين السياسيين المحسوبين على النظام المطاح به، وعلى رأسهم الوزير الأول الأسبق يحيى ولد أحمد الوقف.
ومن بين هذه الإجراءات المتعددة ما يمكن أن تؤول إليه الأحوال بالنيجر، خصوصا مع:
– تراجع حدة التهديد بالتدخل العسكري، مما يفتح أمام الانقلابيين فرصة للجنوح إلى الحوار.
– قد يمنح هذا الحل بازوم خروجا مشرفا، كما يمنع الفريق الدولي الداعم له فرصة للوصول إلى اتفاق يحقق لجميع الأطراف مساحات تفاهم أكثر واقعية، ويمنح بازوم مكانة مشابهة لتلك التي حجزها ولد الشيخ في نفوس مواطنيه بعد أزمة القصر والأسر.
فبعد خروجه من السلطة عانى ولد الشيخ من حصار غريمه وتجاهل أنصاره، لكنه احتفظ بهالة من التقدير المجتمعي تكللت بتقدير سياسي أيضا مع وصول الرئيس الحالي (الغزواني) قبل أن يختطفه الموت في أزمة قلبية مفاجئة، جعلت منه رمزا للأحلام الأفريقية الموؤودة. أما بازوم فما زال مستقبله في ضمير الغيب غامضا بين الضغط الدولي ومقاومة الانقلابيين.