بقلم: يورونيوز

نشرت في
آخر تحديث

كشف تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل (INSS)عن آلية متطورة تستخدمها إيران لـ “الالتفاف” على العقوبات الغربية والدولية المفروضة عليها، مُحوّلة قطاع الطيران المدني إلى “بنية عملياتية سرية لدعم إستراتيجيتها العسكرية والاقتصادية وتمويل وكلائها الإقليميين، في ظل اقتصاد موازٍ يعمل خارج الرقابة الرسمية”.

يؤكد التقرير أن إيران، رغم خضوعها لأحد أشد أنظمة العقوبات صرامة في العالم، نجحت في بناء “منظومة متقنة تقوم على شركات مسجّلة في دول تفتقر إلى الشفافية، وهياكل ملكية متشابكة، ومسارات طيران مُعدّة بعناية تشمل هبوطًا اضطراريًا وهميًا يتيح للطائرات دخول الأراضي الإيرانية، في انعكاس مباشر لاقتصاد ظل واسع داخل البلاد”.

“أداة” أمنية واقتصادية

يوضح التقرير أن قطاع الطيران الإيراني، الذي تضرر بشدة من القيود المفروضة على شراء الطائرات وقطع الغيار، تحوّل من “خدمة نقل مدنية إلى جزء مركزي من الإستراتيجية الاقتصادية والأمنية للنظام الإيراني”.

فقد ساعد القطاع على “استمرار الحركة الجوية الداخلية والخارجية، كما وفّر غطاءً لنقل السلاح والدعم اللوجستي إلى شركاء طهران الإقليميين، من حزب الله في لبنان إلى الميليشيات العراقية، وامتدادًا إلى شحنات طائرات مسيّرة وسلاح إلى السودان وفنزويلا”، وفق التقرير.

ويرى معدّو الدراسة أن “الطيران بات يمثل حلقة واضحة داخل منظومة أكبر تهدف إلى تجاوز العقوبات المفروضة على النفط والذهب والمواد ذات الاستخدام المزدوج، ما أدى إلى اندماج بين مؤسسات الدولة والسوق والشبكات السرية داخل مناطق قانونية رمادية تُصعّب على الأجهزة الرقابية اكتشاف النشاط غير المشروع”.

العقوبات تقيّد الأسطول الإيراني

بحسب التقرير، صُممت العقوبات الغربية على قطاع الطيران الإيراني لـ “منع وصول التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى أجهزة الأمن التابعة للنظام الإيراني، وهو ما جعلها واحدة من أكثر أدوات الضغط فاعلية على طهران”.

وأبرز التقرير أن العقوبات الأميركية، التي ترتكز على قوانين متعددة ولوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، تحظر بيع أو تأجير أو صيانة الطائرات والمكونات لصالح إيران، بما في ذلك التعاملات غير المباشرة عبر دول وسيطة.

كما تطبّق الولايات المتحدة قاعدة “الحد الأدنى” التي تُبقي أي منتج مُصنّع خارج أراضيها ويحتوي أكثر من واحد بالمئة من المحتوى الأميركي، خاضعًا للرقابة. وتوسّع قاعدة “المنتج الأجنبي المباشر” هذه القيود لتشمل أي معدات تعتمد على برمجيات أو تكنولوجيا أميركية، حتى وإن جرى تصنيعها داخل دولة ثالثة.

وتشير الدراسة إلى أن العقوبات ألحقَت “ضررًا بالغًا” بأسطول الطيران الإيراني، إذ تُظهر التقديرات أنه بحلول عام 2025 أصبحت 60% من الطائرات المدنية خارج الخدمة، فيما بلغ متوسط عمر الأسطول 28 عامًا، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، الأمر الذي دفع شركات الطيران الإيرانية إلى تفكيك طائرات متوقفة لاستخدامها كمصدر لقطع الغيار، في ظل غياب خدمات الصيانة الدولية والتأمين والرقابة الفنية.

تجديد العقوبات الدولية عبر “سناب باك” لا يغيّر المعادلة

يلفت التقرير إلى أن مجلس الأمن أعاد في أيلول/سبتمبر الماضي تفعيل آلية “سناب باك” (العودة التلقائية للعقوبات) المفروضة على إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي وتجديد العقوبات، تلاه قرار الدول الأوروبية الثلاث في آب/أغسطس 2025 بتفعيل الآلية بعد رصد خروقات نووية إيرانية.

ويخلص التقرير إلى أن هذا التطور لن يغير بصورة جوهرية في قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات الجوية، لأن العقوبات الأميركية الثانوية خلقت رادعًا واسعًا بين الشركات العالمية، وأجبرتها على الامتناع عن التعامل مع السوق الإيرانية حتى قبل إعادة تفعيل العقوبات الأممية.

“طرق معقدة”

ترسم الدراسة خريطة دقيقة لعمليات شراء وتهريب طائرات إلى إيران، موضحة أنها تشمل دولًا متعاونة مباشرة مع طهران مثل روسيا والصين، إلى جانب عمليات تتم عبر شركات واجهة في دول تفتقر للشفافية التجارية مثل غامبيا ومدغشقر وكينيا وجنوب أفريقيا وناميبيا وكمبوديا وميانمار وأوكرانيا وطاجيكستان ومنغوليا.

وتُظهر الآلية تشغيلًا تُنفذ فيه عمليات شراء الطائرات وتهريبها عبر سلسلة مراحل، تبدأ بتسجيل الطائرة في شركة مدنية، ثم إعادة تسجيلها تجاريًا في دولة ثالثة، وبعدها تقوم برحلة جوية بخطة مُصممة للمرور فوق المجال الجوي الإيراني، قبل أن تعلن “عطلًا طارئًا” وتنفذ هبوطًا داخل الأراضي الإيرانية، لتصبح جزءًا من الأسطول المدني المحلي، مانحة النظام طائرات جديدة دون شراء مباشر.

ويشير التقرير إلى أن عمليات نقل الطائرات غالبًا ما تتم عبر تتابع سريع جدًا لإتمام الصفقات قبل أن تتمكن الجهات الرقابية من رصدها، وهي تقنية تُعرف باسم “نشاط الانفجار”.

استقلال الصناعة الإيرانية

ينقل التقرير عن رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية، حسين بورفرزانه، قوله في 23 أيار/مايو 2025 إن صناعة الطيران الإيراني حققت الاستقلال وهي مستعدة لتجاوز العقوبات. لكن الدراسة ترى أن هذا الخطاب يتناقض مع الواقع العملي الذي يشير إلى تآكل قدرات الأسطول، وصعوبات كبيرة في الالتزام بالمعايير الفنية، فضلًا عن اعتماد إيران شبه الكامل على شبكات تهريب قطع الغيار والطائرات للحفاظ على القدرة التشغيلية المتبقية.

أهمية إستراتيجية تمتد إلى الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية

يستنتج معهد دراسات الأمن القومي أن قطاع الطيران أصبح جزءًا بنيويًا من سياسة إيران الخارجية، إذ يُستخدم لدعم العمليات العسكرية السرية ونقل الأموال والتجهيزات إلى وكلاء طهران الإقليميين، إلى جانب توفير غطاء اقتصادي يعزز صمود النظام داخليًا.

ويرى التقرير أن قدرات إيران في الالتفاف على العقوبات الجوية تمثل تحديًا أمام الجهود الغربية الرامية لإخضاع برنامجها النووي والصاروخي للرقابة، في وقت يُظهر فيه الاقتصاد الإيراني قدرة على بناء شبكات ظل مالية وتجارية تمتد عبر قارات متعددة.

ويرجّح التقرير أن الحفاظ على هذا النظام الموازي سيستمر رغم عودة العقوبات الدولية، لأن البنية التي أنشأتها إيران لم تعد تعتمد على منفذ واحد بل على شبكة عالمية مترابطة تجمع بين الدولة والسوق والقطاع السري، في ظل غياب قدرة فعلية لتطبيق العقوبات بشكل كامل على شبكات تمتد عبر مسارات جوية وبحرية وبنكية خارج النظام الغربي.

جداول توضح مسارات الطائرات

اختتم معهد دراسات الأمن القومي تقريره بملحقين تفصيليين يدعمان النتائج الواردة فيه، إذ تضمّن الملحق الأول جدولًا يتتبّع عمليات نقل الطائرات المدنية إلى إيران بين عامي 2014 و2025، موضحًا نوع الطائرة وسجلات ملكيتها ومسار انتقالها من الشركات البائعة إلى الجهات الإيرانية المستفيدة عبر شركات وسيطة في دول مختلفة.

أما الملحق الثاني فاستعرض قائمة بالشركات الوهمية التي اعتمدت عليها إيران في تنفيذ عمليات الشراء والتهريب، مع تفصيل أسماء المالكين والدول المسجّلة فيها وتوزّعها بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، بما يعكس “منهجية منظّمة لا تقوم على حالات فردية، بل على شبكة ممتدّة ومتعدّدة الأطراف”.

شاركها.
اترك تعليقاً

© 2025 الشرق اليوم. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version