بقلم: يورونيوز

نشرت في

كشف رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، في خطاب موجه إلى شعب بلاده من السراي الحكومي، عن تقدّم حكومته في إعداد مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع، في خطوة اعتبرها جزءًا من المسار الإصلاحي الذي التزمت به الحكومة تجاه المودعين والوضع المالي العام في البلاد.

وجاءت كلمة سلام بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، في سياق متابعة الجهود الحكومية الساعية إلى إنصاف المودعين وتعزيز منظومة الإصلاح المالي والاقتصادي، خصوصًا بعد إقرار قانون رفع السرية المصرفية وإصلاح القطاع المصرفي.

وأكد سلام أنّ حكومته أنجزت مسودة مشروع القانون وأرسلتها إلى الوزراء لدراستها قبل النقاش الحكومي المرتقب يوم الاثنين المقبل، على أمل إقرارها من دون تأخير، تمهيدًا لفتح مرحلة جديدة في إدارة الأزمة المالية التي يمر بها لبنان.

خطاب مباشر إلى اللبنانيين

انتقل سلام إلى مخاطبة اللبنانيين بوضوح حول المزاج الشعبي العام، متحدثًا عن شعور الغضب لدى الناس نتيجة شعورهم بأن الدولة تركتهم وحدهم، وأن النظام لم يحافظ على أموالهم، وأن الوعود السابقة لم تُنفَّذ، وأن كثيرًا من الكلام لم يكن يشبه الحقيقة.

ورأى أن معالجة الأزمة لا يمكن أن تعتمد على حلول مؤقتة أو “مسكنات” قصيرة المدى، بل على مسار واضح يحتاج إلى صدق وشفافية واستعداد فعلي لتحمّل المسؤولية، معتبرًا أن هذه المقاربة تستجيب لأول مرة لجوهر ما يطالب به اللبنانيون منذ بداية الانهيار.

مرحلة جديدة: القانون كأداة للعدالة والتنفيذ

بعد توصيف المناخ العام، أوضح سلام أن لبنان يدخل اليوم مرحلة جديدة أساسها الشفافية، وهدفها العدالة، وأداتها قانون منصف قابل للتنفيذ. وشدد على أن هذه المرحلة مختلفة عن الأعوام السابقة لأن المواطنين لن يقفوا فيها وحدهم في مواجهة تداعيات الانهيار المالي والاجتماعي، بل سيشكل القانون إطارًا عمليًا لحمايتهم.

من الشلل والانهيار إلى إطار تشريعي كامل

أوضح سلام أن ما يعرضه اليوم يأتي بعد ست سنوات من الشلل المالي والتآكل الصامت للودائع والتخبّط في إدارة الأزمة وتدمير الطبقة الوسطى. ويقدّم المشروع الجديد أول إطار قانوني متكامل لاسترداد الودائع ومعالجة الفجوة المالية بطريقة منهجية ومنصفة، ضمن الإمكانات المتاحة للدولة.

وأشار إلى أن المشروع يمثل تحولًا في المقاربة العامة، ينتقل من التهرّب من المسؤولية إلى تحمّلها، ومن إنكار الخسائر وتركها تصيب الفئات الأضعف أولاً، إلى الاعتراف بها والتعامل معها ضمن مسار واقعي قابل للتنفيذ، ما يجعل القانون مقترنًا بإصلاحات فعلية وليس مجرد صياغة تشريعية شكلية.

مسار متدرج لاستعادة الثقة

اعتبر سلام أن المشروع ليس حلمًا أو معجزة، بل بداية مسار عملي يوقف تآكل الودائع، ويحمي الاستقرار الاجتماعي، ويضع حدًا للفوضى التي أرهقت اللبنانيين، ويعيد بناء الثقة بالنظام المصرفي والمالي، مؤكدًا أن اللبنانيين بحاجة إلى خارطة طريق توقف انهيار القيمة المالية وتحفظ حقوق المودعين.

85% من المودعين سيستعيدون كامل ودائعهم

وبعد الانتقال من المبادئ إلى التفاصيل، أوضح سلام أن الفئة الأكبر من المودعين، الذين تقل ودائعهم عن 100 الف دولار، ستحصل على كامل قيمة ودائعها خلال أربع سنوات، مشيرًا إلى أن هؤلاء يشكّلون نحو 85% من مجموع المودعين في لبنان.

وبحسب سلام، وانطلاقًا من ذلك، يقدم المشروع حلًا للمودعين المتوسّطين والكبار يقوم على حصولهم أيضًا على 100 الف دولار أسوة بصغار المودعين، إضافة إلى سندات قابلة للتداول بقيمة ودائعهم الأصلية من دون أي اقتطاع من أصلها، تُسدَّد وفق جدول زمني واضح، ومدعومة بمداخيل وعائدات أصول المصرف المركزي أو أي جزء يُباع منها، ما يمنح هذه السندات قيمة حقيقية ويحول دون أن تصبح الودائع مجرد أرقام بلا أسس مالية.

مشروع سلام بين ضغط صندوق النقد وغضب المصارف

يشير المشهد الاقتصادي المحيط بالمشروع إلى تباين واضح في المواقف، إذ كان صندوق النقد الدولي، الذي تابع إعداد النص عن قرب، قد شدد على ضرورة استعادة قدرة القطاع المصرفي على الاستمرار وحماية المودعين قدر الإمكان. وفي المقابل، ردّت جمعية المصارف في بيان قبل أيام اعتبرت فيه أن المشروع يتضمن “ثغرات خطيرة” ويحمّل المصارف التجارية أعباء كبيرة. كما تقدّر الحكومة الخسائر المالية بنحو 70 مليار دولار، وهو رقم يؤكد خبراء أنه ارتفع أكثر بعد ست سنوات بقيت خلالها الأزمة من دون حلول هيكلية، فهل يشكل هذا التباين بين صندوق النقد والمصارف عائقًا جديدًا أمام تمرير المشروع؟

إحياء القطاع المصرفي وكبح الاقتصاد الموازي

تناول سلام جانبًا اقتصاديًا متصلًا بتأثير المشروع على القطاع المصرفي، مشيرًا إلى أن اقتصادًا منتجًا لا يمكن أن ينمو بلا قطاع مصرفي سليم. ويراهن المشروع على تعافي المصارف من خلال تقييم أصولها وإعادة رسملتها لتستعيد دورها في تمويل الاقتصاد وتحفيز النمو وتسهيل الاستثمار، إضافة إلى الحد من توسع الاقتصاد النقدي والموازي الذي تفاقم خلال الأزمة.

مساءلة المستفيدين من الأزمة واسترداد الأرباح

وانتقل سلام للحديث عن عنصر المساءلة داخل المشروع، موضحًا أن القانون يضع لأول مرة مبدأ استرداد الأرباح غير العادية، عبر غرامات موجّهة تطال الفئات التي استفادت من الأزمة على حساب المودعين.

وأشار إلى وجود من استفاد من تحويل الأموال قبل وبعد الانهيار باستغلال النفوذ والمواقع الحساسة، ومن استفاد من الهندسات المالية، ومن عمليات تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار بأسعار أدنى من سعر السوق، مؤكدًا أن هذه الفئات ستخضع للمحاسبة القانونية وفق المسار الجديد.

قانون”منضبط” بمعايير دولية

رأى سلام أن مشروع القانون يشكل خطوة واقعية ومنصفة على طريق استعادة الحقوق ووقف الانهيار وإعادة العافية للقطاع المصرفي وتحفيز النمو الاقتصادي، معتبرًا أن توافق المشروع مع المعايير الأساسية لصندوق النقد الدولي سيساعد لبنان على استعادة الثقة العربية والدولية، في حين ستخضع التفاصيل لمفاوضات تقنية متواصلة مع الصندوق.

وأشار أيضًا إلى أن المشروع اعتمد معايير التدقيق والتحقيق وتراتبية الأموال والمطلوبات وإجراءات الرقابة وإعادة تكوين الرساميل، بينما تلتزم الدولة بدورها الكامل في رسملة مصرف لبنان سندًا للمادة 113 من قانون النقد والتسليف، باعتبار أنّ نجاح المشروع المالي يتطلب دورًا مباشرًا من المصرف المركزي.

هل تنجح السلطة في تجاوز إرث التعطيل؟

يرتبط نجاح المشروع أيضًا بعوامل سياسية سابقة، إذ إن الإصلاحات المالية التي يطالب بها المجتمع الدولي تعثرت مرارًا خلال السنوات الماضية بفعل تدخلات وضغوط سياسية ومصرفية. فقد واجهت محاولات التغيير عراقيل متكررة من أطراف سياسية ومالية نافذة، ما أدى إلى تجميد المسار الإصلاحي عبر حكومات مختلفة. وفي هذا الإطار، تعهّد الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام منذ توليهما السلطة بوضع الإصلاحات على سكة التنفيذ وإقرار القوانين اللازمة لإعادة هيكلة النظام المالي، لكن هل تسمح الظروف السياسية الحالية بإنجاز المسار الإصلاحي من دون عرقلة جديدة؟

الغطاء السياسي للمشروع

ختم سلام بالتأكيد أن المشروع لا يقتصر على كونه تشريعًا ماليًا، بل يمثّل خيارًا سياسيًا وأخلاقيًا يقوم على حماية الناس بدل تكريس الامتيازات، وعلى الاعتراف بالواقع بدل إنكاره، وعلى تفعيل المساءلة والمحاسبة بدل الصمت المالي الطويل.

وحذّر من أن غياب أي قانون يحمي الناس سيجعل الودائع تذوب حتى تختفي كليًا، مؤكدًا أن كل يوم تأخير يجعل الحل أصعب وأقسى على المواطنين. ورأى أن المشروع يضع خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة التي طال أمدها، وأن الوقت حان لبدء استعادة الناس لحقوقهم، ولعودة الاقتصاد إلى النمو والازدهار.

وفي الختام، شدد على أن الغطاء السياسي لهذا المشروع يأتي من الناس الذين سيستعيدون حقوقهم من خلاله، وفي مقدمتهم الغالبية الساحقة من المودعين الذين تقل ودائعهم عن مئة ألف دولار، والذين ستُسدد ودائعهم كاملة ضمن مهلة زمنية لا تتجاوز أربع سنوات.

شاركها.
اترك تعليقاً

© 2025 الشرق اليوم. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version