قررت سيدة ألمانية الأصل أن تقيم معرضا يوثق مجلات والدها “كورت بلوخ” المناهضة للفاشية في زمن هتلر، فبالرغم من أنها تعيش في الولايات المتحدة إلا أن تسمي ألمانيا “وطنها”. جاء قرارها بعد أن تراكم الغبار على المجلات وهي مخبأة في منزلها، مدفوعة بالتطورات الحاصلة عالميا، فيما يخص اليمين المتطرف.
قالت سيمون بلوخ من مكتبها في مانهاتن في الولايات المتحدة: “عندما ذهبت إلى ألمانيا وأنا صغيرة، كان الناس ينظرون إليّ، وكان بإمكانهم أن يعرفوا أنني لا أنتمي إلى هناك.. ولطالما أصابني ذلك بالقشعريرة”.
اختبأ والد سيمون كورت بلوخ في هولندا خلال الحرب، وكتب وجمع 100 مجلة مناهضة للنازية وزعت على اليهود الذين تواروا عن الأنظار في عهد هتلر. أما والدتها روث فأودعت معتقل أوشفيتز وهي في السابعة عشر من عمرها. وبالتالي، كانت لسيمون علاقة معقدة مع الوطن الأم لوالديها.
قبل سنوات قليلة، قررت سيمون أن تنفض الغبار عن هذه المجلات، وسعت للترويج لأعمال والدها التي سعت لمكافحة النازية. وقد دفعها لذلك، خوفُها من صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا. فقررت أن تقيم معرضا يجمع أعمال الأب في منشأة تعليمية تقع في مدينة دورتموند الألمانية، وشمل ذلك قصائد الشعر التي كتبها الوالد.
تم افتتاح المعرض في صالة الألعاب الرياضية في أسبوع إحياء ذكرى مذبحة ليلة الكريستال، وهي المذبحة النازية التي سبقت المحرقة أو الهولوكوست. خاطبت سيمون -و المصمم الألماني الذي عملت معه ثيلو فون ديبشيتز- الطلاب، وقالت ليورونيوز: “لقد شعرت بسعادة غامرة.. لقد تأثرت حقًا بالتواصل الذي شعرت به”.
وأشار ثيلو، وهو حفيد الضباط النازيين الذين انتحروا عند معرفتهم بوفاة هتلر، إلى أن جيل والديه “لم يرغبوا في النظر إلى الماضي لأنه كان عليهم بناء مستقبلهم… لذا فقد تمت إحالة الأسئلة إلى الجيل التالي”.
حضر أستاذ دراسات دينية يدعى أحمد افتتاح المعرض، وهو من بلدة داريا السورية الواقعة جنوب دمشق. قال أحمد: “عندما بدأت سيمون بالحديث عن والدها وطريقة مغادرته ألمانيا ليلاً، وكيف اختبأ لفترة طويلة، بدأت أشعر بأنني أستطيع أن أتعلق بكل كلمة من كلماته”. كان أحمد طالباً خلال الثورة السورية عام 2011 وانضم إلى الاحتجاجات ضد نظام الأسد.
قال: “تم اعتقالي لمدة ثلاثة أشهر من أفظع ما يمكن أن يختبره المرء في حياته”. وأضاف أنه بعد هروبه إلى تركيا ثم إلى مصر، تم تهريبه على متن قارب صغير من شمال مصر إلى إيطاليا في رحلة استغرقت ثمانية أيام. واستقر في نهاية المطاف في ألمانيا.
وتكمن المفارقة في أن المكان الذي أُجبر كورت بلوخ على الفرار منه قديما، أصبح مؤخرا ملجأً للكثيرين، لا تغيب عن سيمون أو أحمد اللذين يريان القواسم المشتركة في قصصهما وفق رأيهما.