بقلم: يورونيوز

نشرت في

يواجه القادة الأوروبيون ضغوطاً متزايدة لاتخاذ قرار مصيري بشأن كيفية تمويل الدفاع الأوكراني، في ظل نقاش محتدم حول استخدام الأصول الروسية المجمّدة داخل الاتحاد الأوروبي، مقابل اللجوء إلى الاقتراض المشترك، وذلك في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأميركية وتتقلص الخيارات المتاحة أمام كييف.

قمة بروكسل: وعود تحت الضغط

وخلال قمة حاسمة تُعقد يوم الخميس في بروكسل، يُنتظر أن يُطالب قادة الاتحاد الأوروبي بالوفاء بتعهداتهم بتأمين تمويل عاجل لأوكرانيا، في وقت تتعرض فيه كييف لضغوط للتنازل عن أراضٍ، بينما تواصل القوات الروسية تحقيق تقدم محدود ولكن مستمر على الأرض.

وقبيل القمة، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في خطاب أمام البرلمان الأوروبي، أن دعم أوكرانيا يمثل جوهر الدفاع الأوروبي، قائلة: “لا يوجد عمل دفاعي أوروبي أكثر أهمية من دعم دفاع أوكرانيا”، مشددة على أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة.

وشددت فون دير لاين في كلمتها على أن أوروبا لم تعد قادرة على الاعتماد على الآخرين في ضمان أمنها، ووصفت النظام الدولي الحالي بأنه “خطِر وقائم على المعاملات”، مؤكدة أن تحمّل المسؤولية الأمنية لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة استراتيجية.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري كانت فون دير لاين قد طرحت خيارين لتمويل الاحتياجات الدفاعية والمدنية العاجلة لأوكرانيا خلال عامي 2026 و2027: الأول هو الاقتراض المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، والثاني يتمثل في ما يُعرف بـ”قرض التعويضات”، وهو قرض مضمون مقابل الأصول الروسية المجمّدة داخل الاتحاد.

بلجيكا في قلب المعضلة القانونية

تستضيف بلجيكا الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمّدة في الاتحاد الأوروبي، والتي تُقدَّر بنحو 210 مليارات يورو، لكنها تبدي مخاوف جدية من تحمّل تبعات قانونية ومالية ضخمة في حال فشل أي آلية لا تحظى بإجماع أوروبي واضح.

وتفاقمت هذه المخاوف بعد إعلان البنك المركزي الروسي عزمه المطالبة بتعويضات تصل إلى 230 مليار دولار من شركة “يوروكلير” البلجيكية، التي تحتفظ بمعظم الأصول السيادية الروسية داخل الاتحاد، وسط خشية من لجوء محاكم في دول حليفة لموسكو إلى مصادرة أصول غربية تنفيذاً لتلك المطالبات.

بدورها برزت إيطاليا كأحد أبرز المعارضين لاستخدام الأصول الروسية دون غطاء قانوني متين، وقالت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني إن الإقدام على هذه الخطوة قد يمنح روسيا “أول انتصار لها منذ بداية الحرب”، معتبرة أن الاقتراض الأوروبي المشترك يشكل خياراً أكثر أماناً.

وأكدت ميلوني أن تحميل روسيا كلفة إعادة إعمار أوكرانيا مبدأ لا خلاف عليه، لكنه يجب أن يتحقق ضمن إطار قانوني واضح ومتّزن.

في المقابل، أبدى المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعماً قوياً لفكرة تسخير ما يصل إلى 90 مليار يورو من الأصول الروسية لدعم الدفاع الأوكراني، مقدّراً فرص التوصل إلى اتفاق بنحو 50%.

وأوضح ميرتس أن هذا التمويل قادر على تغطية احتياجات الجيش الأوكراني لمدة لا تقل عن عامين، مشيراً إلى أن الخطوة ستبعث برسالة سياسية واضحة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأكد في الوقت نفسه تفهمه لمخاوف بلجيكا، مشدداً على أن المقترح المطروح يتوافق مع القانون الدولي والالتزامات القانونية القائمة.

كيف يعمل “قرض التعويضات”؟

بموجب هذا المخطط، يمنح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا قرضاً بقيمة 90 مليار يورو يتم تمويله عبر الاقتراض من “يوروكلير”، ولا يُسدد القرض إلا في حال دفعت روسيا تعويضات مستقبلية لأوكرانيا، ما يحدّ من المخاطر المالية المباشرة على ميزانية الاتحاد.

ورغم تأكيد مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن حقوق روسيا القانونية في الأصول لن تتأثر، فإن موسكو تصف الخطوة بأنها “سرقة” وتتوعد باتخاذ إجراءات انتقامية.

الانقسام الأوروبي وعقدة الإجماع

يرى مسؤولون أوروبيون مشاركون في التحضير للقمة أن “قرض التعويضات” بات الخيار العملي الوحيد، إذ يتطلب استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي إجماع الدول الأعضاء، وهو أمر مستبعد في ظل إعلان المجر نيتها استخدام حق النقض ضد أي تمويل مباشر لأوكرانيا.

في المقابل، لا يحتاج “قرض التعويضات” سوى إلى أغلبية الدول الأعضاء، رغم تحذيرات دبلوماسية من خطورة تهميش بلجيكا أو تحميلها عبئاً منفرداً.

وكان الاتحاد الأوروبي قد لجأ مؤخراً إلى صلاحيات طارئة لتجميد الأصول الروسية إلى أجل غير مسمى، تفادياً لاحتمال إسقاط العقوبات عبر “فيتو” من قبل المجر أو أي حكومة أخرى موالية للكرملين ، واقترحت بلجيكا توسيع استخدام هذه الصلاحيات لإطلاق قرض أوروبي مضمون بميزانية الاتحاد، غير أن دولاً عدة رأت في ذلك تجاوزاً قانونياً غير مقبول.

في ظل هذا المشهد المعقّد، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام خيار بالغ الحساسية: دعم أوكرانيا مالياً في مرحلة حرجة، دون الانزلاق إلى مواجهة قانونية ومالية قد ترتد على تماسكه الداخلي ومصداقيته القانونية، في اختبار جديد لوحدة القرار الأوروبي في زمن الحرب.

شاركها.
اترك تعليقاً

© 2025 الشرق اليوم. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version