تشهد بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم ظاهرة متنامية أصبحت سمة أساسية للبطولة، وهي الاعتماد الكبير للمنتخبات المشاركة على اللاعبين المولودين خارج القارة، وتحديداً في أوروبا. مع اقتراب نسخة البطولة التي يستضيفها المغرب، يتجلى هذا الواقع بوضوح، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 30% من إجمالي اللاعبين المشاركين هم من أبناء المهاجرين الأفارقة الذين ولدوا ونشأوا في دول أوروبية.
خلفية تاريخية وسياق عام
تعود جذور هذه الظاهرة إلى موجات الهجرة الأفريقية نحو أوروبا خلال القرن العشرين، خاصة إلى القوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا. نشأت أجيال جديدة في هذه الدول، واستفادت من البنية التحتية الرياضية المتقدمة وأنظمة تكوين الناشئين عالمية المستوى. هؤلاء اللاعبون، الذين يمتلكون موهبة فطرية، صقلوا مهاراتهم في أفضل الأكاديميات الأوروبية، مما منحهم ميزة فنية وتكتيكية كبيرة.
تغيير قواعد الفيفا: نقطة التحول
كان العامل الحاسم الذي فتح الباب أمام هذه الظاهرة هو التعديلات التي أقرها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على قوانين الأهلية الدولية قبل حوالي عقدين. سمحت القواعد الجديدة للاعبين الذين يحملون جنسية مزدوجة ومثلوا دولة ما في فئات الناشئين والشباب، بتغيير ولائهم الرياضي لتمثيل منتخب آخر على مستوى الفريق الأول. وقد أتاح هذا التغيير لآلاف اللاعبين الموهوبين فرصة تمثيل بلدانهم الأصلية، مثلما حدث مع ويلفريد زاها الذي لعب مباراتين وديتين مع إنجلترا قبل أن يختار تمثيل ساحل العاج.
أرقام وإحصائيات دالة
تُظهر قوائم المنتخبات المشاركة في البطولة مدى عمق هذا التأثير. فمنتخب مثل جزر القمر، الذي يشارك للمرة الثانية في تاريخه، يعتمد بشكل شبه كامل على جاليتها في فرنسا، حيث وُلد 25 من أصل 26 لاعباً في قائمته بأوروبا. كما أن منتخبات أخرى مثل المغرب، الجزائر، الكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، تعتمد بشكل كبير على اللاعبين المولودين في الخارج. منتخب السنغال، أحد أقوى فرق القارة، يضم أيضاً نصف لاعبيه من مواليد أوروبا. وبشكل إجمالي، من بين 664 لاعباً في 24 منتخباً، وُلد 191 لاعباً في أوروبا، أي ما يعادل 28.8%.
الأهمية والتأثير المتوقع
أدى هذا التوجه إلى رفع المستوى الفني والتنافسي لبطولة كأس الأمم الأفريقية بشكل ملحوظ. فقد أصبحت منتخبات كانت تعتبر مغمورة في السابق، مثل غينيا الاستوائية التي تستقطب لاعبيها من إسبانيا، قادرة على منافسة الكبار. على الصعيد الدولي، زادت جاذبية البطولة بوجود لاعبين ينشطون في أكبر الأندية الأوروبية، مما يجذب اهتمام الإعلام والجماهير العالمية. وفي المقابل، تظل هناك منتخبات قليلة مثل مصر وجنوب أفريقيا تعتمد كلياً على اللاعبين المحليين، مما يطرح نقاشاً مستمراً حول أفضل استراتيجية لتطوير كرة القدم الوطنية: الاعتماد على المواهب المحلية أم استقطاب الطيور المهاجرة.
The post منتخبات أفريقيا واللاعبون الأوروبيون: ظاهرة تعزز كأس الأمم appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.

