عودة قوية للسينما الجزائرية على الساحة العالمية
تشرع الجزائر، الدولة العربية الوحيدة التي حفرت اسمها في سجلات جوائز الأوسكار، في تنفيذ خطة استراتيجية طموحة لإعادة إحياء صناعتها السينمائية واستعادة بريقها الذي خفت على مدى عقود. مستندة إلى إرث سينمائي عريق، تراهن الدولة على مشاريع ضخمة تشمل فيلماً ملحمياً عن بطل المقاومة الأمير عبد القادر، وتأسيس بنية تحتية حديثة لاستقطاب الإنتاجات العالمية، في خطوة تهدف إلى تنويع اقتصادها وتعزيز قوتها الناعمة على المسرح الدولي.
إرث من ذهب: العصر الذهبي للسينما الجزائرية
لم يكن فوز الجزائر بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1970 عن فيلم الإثارة السياسي “زد” (Z) للمخرج كوستا غافراس وليد صدفة، بل كان تتويجاً لحقبة ذهبية للسينما الجزائرية في فترة ما بعد الاستقلال. خلال الستينيات والسبعينيات، أصبحت السينما أداة أساسية لتوثيق ملحمة الثورة التحريرية وبناء الهوية الوطنية. أفلام أيقونية مثل “معركة الجزائر” (1966) للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو، والذي رُشح لثلاث جوائز أوسكار، و”وقائع سنين الجمر” (1975) للمخرج محمد الأخضر حمينة، الذي انتزع السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي، رسخت مكانة الجزائر كقوة سينمائية مؤثرة، قادرة على إنتاج أعمال فنية خالدة ذات رسالة سياسية وإنسانية عميقة.
خطة “إعادة تنظيم تاريخية” للقطاع
اليوم، تسعى الحكومة الجزائرية إلى استلهام هذا المجد عبر ما وصفه مستشار الرئيس عبد المجيد تبون للشؤون الثقافية بـ”إعادة تنظيم تاريخية” للقطاع. تهدف هذه الخطة إلى معالجة التحديات البيروقراطية التي أعاقت نمو الصناعة طويلاً. ويأتي تأسيس “المركز الوطني للسينما” كخطوة محورية لتوحيد الإجراءات وتسهيل منح التصاريح والتراخيص والتأشيرات، مما يفتح الباب أمام المنتجين المحليين والدوليين على حد سواء. هذه الجهود تأتي في سياق أوسع يسعى فيه الرئيس تبون لتعزيز صورة الجزائر الدولية، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد الكلي على قطاع الطاقة.
مشاريع عملاقة وبنية تحتية متطورة
تتجسد هذه الرؤية في مشاريع ملموسة على رأسها إنشاء “مدينة سينما” جديدة في العاصمة الجزائر، ستضم استوديوهات تصوير متكاملة ومرافق للإنتاج وما بعد الإنتاج. كما يُخطط لإنشاء مرافق متخصصة في المونتاج والمؤثرات الخاصة في منطقة تينركوك الصحراوية، للاستفادة من التنوع الجغرافي الفريد الذي تتمتع به البلاد. الهدف المعلن هو رفع القدرة الإنتاجية السنوية إلى ما يصل إلى 30 فيلماً، وهو رقم طموح بالنظر إلى وجود 170 مشروعاً سينمائياً ينتظر التمويل حالياً من وزارة الثقافة.
الأمير عبد القادر: أيقونة النهضة السينمائية
يُعتبر الفيلم الضخم الذي يتناول سيرة الأمير عبد القادر، قائد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، حجر الزاوية في هذه النهضة. تؤكد الحكومة استعدادها لتوفير كافة الموارد اللازمة لهذا العمل الملحمي، ليس فقط لأهميته الفنية، بل لرمزيته الكبيرة في سرد قصص الأبطال الوطنيين وتقديمها للعالم. وقال فيصل متاوي، مستشار الرئيس: “إنه إنتاج كبير، والحكومة مستعدة لتوفير الموارد اللازمة لأننا بحاجة إلى سرد قصص أبطالنا. لن نحسب التكلفة”.
الانفتاح على الإنتاج الدولي
إلى جانب تعزيز الإنتاج المحلي، تسعى الجزائر بقوة لجذب الإنتاجات السينمائية الدولية. وقد تم بالفعل توقيع اتفاقيات إنتاج مشترك مع دول مثل جنوب أفريقيا، كندا، إيطاليا، وتركيا. وتمتلك الجزائر مقومات طبيعية هائلة، من سواحل البحر المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى، مما يجعلها موقعاً مثالياً لتصوير أنواع مختلفة من الأفلام، وتطمح لمنافسة جارتها المغرب التي أصبحت وجهة مفضلة لهوليوود. كما يبرز مشروع فيلم “رقان” للمخرج الفرنسي الجزائري رشيد بوشارب، الذي يتناول قضية التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، كنموذج للتعاون الدولي في تناول موضوعات تاريخية حساسة، مما يعكس الثقة والدعم الكامل الذي يحظى به المشروع من السلطات الجزائرية.
The post الجزائر تستنهض صناعتها السينمائية بخطط طموحة ومشاريع كبرى appeared first on أخبار السعودية | SAUDI NEWS.

