العواصف التي تقترب من السواحل، على بعد 400 كيلومتر، في جميع أنحاء العالم، تتزايد قوتها الآن بسرعة أكبر 3 مرات مما كانت عليه قبل 40 عاما.

ضرب إعصار “إيداليا” (Idalia) ساحل خليج فلوريدا -أمس الأربعاء- مصحوبا برياح عاتية وأمطار غزيرة وأمواج قوية، ثم ضعف مع تحوله إلى جنوب شرق جورجيا، حيث حاصرت مياه الفيضانات بعض السكان في منازلهم.

ووصلت العاصفة القوية -التي وصفها المركز الوطني للأعاصير بالولايات المتحدة بأنها “حدث غير مسبوق”- إلى اليابسة بعد وقت قصير من الفجر مع رياح بلغت سرعتها أكثر من 257 كيلومترا في الساعة بالقرب من شاطئ كيتون على ساحل خليج فلوريدا.

وكان “إيداليا” قد تحول من عاصفة استوائية إلى إعصار في وقت مبكر أمس الأول، بعد يوم من مروره بغرب كوبا، حيث ألحق أضرارا بالمنازل وأغرق القرى.

ولكن ما الذي يجعل “إيداليا” بهذه القوة؟

حرارة المحيطات

تحصل الأعاصير عادة على طاقتها من الماء الدافئ، وقد تغذى “إيداليا” على بعض من أكثر المياه سخونة على الكوكب، وازدادت قوة الإعصار بسرعة مع اقترابه من فلوريدا وبقية ساحل الخليج.

وكان العلماء يتحدثون طوال الصيف عن مدى ارتفاع حرارة سطح المحيطات، خاصة المحيط الأطلسي وبالقرب من فلوريدا، وكيف أن المياه العميقة -التي تقاس بما يسمى المحتوى الحراري للمحيطات- تحافظ على تسجيل أرقام قياسية أيضا بسبب تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.

ومن جانبها، تقول كريستين كوربوسييرو أستاذة علوم الغلاف الجوي بجامعة ألبانيا إن هذه المياه الدافئة ناتجة عن مزيج من تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، وظاهرة النينيو الطبيعية وغيرها من الأحداث المناخية العشوائية.

ويوضح فيل كلوتزباخ الباحث في مجال الأعاصير بجامعة ولاية كولورادو -في بيان صحفي منشور على موقع “فيز دوت أورغ”- أن درجة الحرارة بلغت 32 درجة مئوية فوق المسار الذي اتبعته العاصفة، لذا فقد كان هذا هو الوقود الصاروخي للعاصفة.

وأوضح مدير هيئة الأرصاد الجوية الوطنية كين غراهام أن ما يجعل الأمر صعبا وخطيرا للغاية أن “إيداليا” تحرك بسرعة كبيرة وازدادت شدته بسرعة كبيرة أيضا.

المرور بالتيار الحلقي وغياب رياح القص

كان “إيداليا” قد توقف لبعض الوقت فوق التيار الحلقي ودواماته (Loop Current) والذي يعد أحد تيارات المحيط الأطلسي، وهو دافئ يتدفق شمالا بين كوبا وشبه جزيرة يوكاتان، وينتقل شمالا نحو خليج المكسيك، ويدور شرقا وجنوبا في حلقات قبل المغادرة إلى الشرق عبر خليج فلوريدا والانضمام إلى تيار الخليج.

وتقول كوربوسييرو إن هذه البرك من المياه الدافئة والعميقة الإضافية تتدفق من منطقة البحر الكاريبي إلى خليج المكسيك. وتعتبر المياه العميقة مهمة لأن تطور الإعصار غالبًا ما يتوقف عندما تضرب العاصفة الماء البارد.

والحقيقة الأخرى التي يمكن أن تبطئ تعزيز الإعصار هي الرياح المتقاطعة في المستوى العلوي، والتي تسمى رياح القص. لكن خبراء الأعاصير قالوا إن “إيداليا” انتقل إلى منطقة لا يوجد بها الكثير من القص أو أي شيء آخر لإبطائها.

الأمر صار مألوفا

وكما يشير تقرير موقع “فيز دوت أورغ” يبدو أن هذا النمط من الأعاصير التي تزداد قوة مع اقترابها من الساحل صار مألوفا، حيث اشتدت عام 2021 حدة 6 أعاصير (دلتا، غاما، سالي، لورا، هانا، تيدي) بسرعة. وقال كلوتزباخ إن أعاصير إيان وإيدا وهارفي ومايكل فعلت ذلك قبل أن تضرب الولايات المتحدة السنوات الخمس الماضية.

فقد وجدت دراسة نشرت في 24 أغسطس/آب الجاري بدورية “نيتشر كوميونيكيشنز” أن العواصف التي تقترب من السواحل، على بعد 400 كيلومتر، في جميع أنحاء العالم، تتزايد قوتها الآن بسرعة أكبر 3 مرات مما كانت عليه قبل 40 عاما. وكانت هذه الأحداث تحدث في المتوسط 5 مرات في السنة، والآن صارت تحدث 15 مرة في السنة.

وقال شواي وانغ المؤلف المشارك بالدراسة وأستاذ علم المناخ في جامعة ديلاوير الأميركية “الاتجاه واضح للغاية، لقد صدمنا للغاية عندما رأينا هذه النتيجة”.

وقال علماء، مثل وانغ وكوربوسيرو، إنه عندما يتعلق الأمر بعاصفة واحدة مثل إيداليا، فمن الصعب إلقاء اللوم على تغير المناخ في تكثفها السريع. ولكن عندما ينظر العلماء إلى الصورة الكبيرة على مدى سنوات عديدة والعديد من العواصف، تظهر الدراسات وجود علاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري والتكثيف السريع.

وفي دراسته، رأى وانغ أن دورة المناخ الطبيعية المرتبطة بنشاط العواصف ودرجات حرارة سطح البحر الأكثر دفئا هي عوامل تتسبب في تكثف العواصف بسرعة، وقال “قد نحتاج إلى توخي الحذر بعض الشيء” في إلقاء اللوم على تغير المناخ في عواصف منفردة “لكنني أعتقد أن إعصار إيداليا يوضح سيناريو قد نشهده في المستقبل”.

المصدر : غارديان + فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version