تواجه الحيوانات الليلية خطرا كبيرا بوجود التلوث الضوئي، وتعد 70% من الكائنات الحية متأقلمة تماما مع الأجواء الليلية بشكل مثالي منذ ملايين السنوات للتنقل والبقاء على قيد الحياة، إلا أن الضوء الاصطناعي مثل إنارة الشوارع عكّر صفو هذا الظلام عليها، فأثر بشكل سيئ على النمط والسلوك الحياتي، وأيضا على البنية البيولوجية.

وفي دراسة حديثة نُشرت في دورية “بيولوجي ليترز”، كشف العلماء عن تأثير واضح للتلوث الضوئي على العنكبوت الغازل المداري، وهو أحد العناكب المنتشرة في القارة الأسترالية، إذ لاحظ العلماء أن أدمغة هذه العناكب تتقلص بشكل ملحوظ، خاصة في المناطق المتعلقة بالرؤية في الدماغ، مع غموض حول التأثيرات السلوكية لهذا التغير البيولوجي.

ويشير الباحثون إلى أنه في البيئات التي تتعرض للتلوث الضوئي المكثف، تحتاج الحيوانات إلى أدمغة أكبر وأكثر تعقيدا للتعامل مع التحديات التي تفرضها الحياة في المناطق الحضرية، وإذا تعرض نمو الأدمغة للتوقف لأسباب معينة، فإن التأقلم والنجاة يصبحان أكثر صعوبة، وفي حين تركّز معظم الدراسات السابقة على الحيوانات الكبيرة، تهدف هذه الدراسة إلى فهم تأثير التلوث الضوئي على الكائنات الأصغر مثل الحشرات.

أثر التلوث الضوئي على العناكب

يتواجد العنكبوت الغازل المداري الأسترالي بكثرة في الحدائق، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية، وهو مثال ملائم لدراسة تأثير التلوث الضوئي على الكائنات الصغيرة، ويبني هذا النوع من العناكب شباكه في الأماكن المضاءة جيدا، مثل تحت أعمدة الإنارة، وقد أظهرت دراسات سابقة أن العناكب الحضرية التي تبني شباكها تحت الأضواء تصطاد عددا أكبر من الحشرات، لكنها تبلغ مرحلة النضج بشكل أسرع وتصبح أصغر حجما مع مرور الوقت، وينتج عنها كذلك عدد أقل من النسل.

وللتحقق من تأثير التلوث الضوئي على نمو الدماغ، أخذ الباحثون عناكب صغيرة من حدائق مظلمة نسبيا، وربوها في ظروف معملية تحت رقابة مستمرة، وعاشت بعض هذه العناكب في الظلام، في حين تعرّض بعضها الآخر لإضاءة ليلية تعادل إنارة الشوارع.

وبعد بضعة أسابيع من وصول العناكب إلى مرحلة البلوغ، أجرى الباحثون فحصا لأدمغتها باستخدام تقنية “التصوير الطبقي المبرمج المكروي”، وأظهرت النتائج أن العناكب التي تعرّضت للضوء الاصطناعي كانت أدمغتها أصغر حجما، خاصة في المناطق المرتبطة بالرؤية.

ويُعد هذا اكتشافا مهما بالنسبة للحيوانات اللافقارية، ويعكس ما جرى توثيقه في الحيوانات الفقارية سابقا، ويفترض الباحثون أن الإنارة الاصطناعية الليلية ربما تعرقل نمو أدمغة العناكب أو تجبرها على تقليل الاستثمار في الأجزاء البصرية في أدمغتها.

سكان الليل

وبشكل عام، يؤكد العلماء أن التلوث الضوئي يؤثر بشكل مباشر وضار جدا على عالم الحيوان، حيث تعتمد الحيوانات الليلية مثل الخفافيش والبوم والحيوانات المفترسة الأخرى على الظلام للصيد، ويقلل الضوء الاصطناعي من كفاءة صيدها ويجعل الفرائس أكثر وضوحا، مما يجعل الحيوانات المفترسة في وضع غير مناسب.

كما تستخدم العديد من الحيوانات الليلية، بما في ذلك العث والسلاحف البحرية والطيور، مصادر الضوء الطبيعية مثل القمر والنجوم للملاحة. ويشتت تلوث الضوء انتباهها، مما يؤدي إلى الارتباك والعواقب المميتة في بعض الأحيان.

وبالنسبة لبعض الأنواع، يلعب الضوء دورا في الإشارة إلى التزاوج، فتعتمد اليراعات، على سبيل المثال، على قدرتها على التلألؤ الحيوي لجذب الأزواج، ويمكن للضوء الاصطناعي أن يغرق هذه الإشارات، مما يقلل نجاح التكاثر.

كما تتمتع الحيوانات الليلية، مثل العديد من المخلوقات الأخرى، بإيقاعات يومية طبيعية مرتبطة بدورة الليل والنهار، ويمكن للضوء الاصطناعي المستمر أن يربك ساعاتها الداخلية، مما يؤثر على دورات نومها وتغذيتها وتكاثرها.

وبشكل عام، يخلق تلوث الضوء بيئة تزعج التوازن الطبيعي للنُّظم البيئية الليلية، مما يؤدي إلى آثار سلبية طويلة الأمد على مجموعات الحيوانات والتنوع البيولوجي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version