تونس– في قلب حملة الانتخابات الرئاسية التونسية، وقبل أسبوعين فقط من موعدها المقرر في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تقدّم 34 نائبا مواليا للرئيس المنتهية ولايته والمرشح قيس سعيد بمشروع قانون يُنتظر أن يصادق عليه البرلمان، خلال أيام، لإخراج هيئة الانتخابات من رقابة المحكمة الإدارية.

وستعقد لجنة التشريع بالبرلمان جلسة، الاثنين المقبل، لمناقشة المشروع الذي طالب مقدموه باستعجال النظر فيه، ويتضمن المشروع تعديلات لقانون الانتخابات تُقصي المحكمة الإدارية نهائيا عن النظر في النزاعات الانتخابية.

وتبدو بصمة الرئيس سعيد واضحة في كتابة مشروع القانون، وليس النواب سوى واجهة للتغطية عليه حتى لا يظهر في الصورة، وفق رأي بعض المتابعين، الذين يرجحون مصادقة البرلمان الموالي له على التعديلات التي ينتظر أن تدخل حيز التنفيذ بسرعة قبل الانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

مخاوف وشكوك

ويخشى نشطاء ومعارضون إن تمت المصادقة على المشروع أن يعبّد الطريق لفوز الرئيس سعيد، وذلك بالتحكم في نتائج الانتخابات وقطع الطريق أمام الطعن فيها من قبل 3 مرشحين معارضين له أقصتهم هيئة الانتخابات من السباق رغم قرار المحكمة الإدارية بإرجاعهم.

وكانت المحكمة الإدارية قد راسلت مؤخرا هيئة الانتخابات لتبلغها بأحكامها الملزمة بإعادة 3 مرشحين، وهم عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدائمي، إلى سباق الانتخابات، وتعديل روزنامة الانتخابات، لكن هيئة الانتخابات لم تأبه لقراراتها الملزمة بالقانون.

وأوضحت المحكمة في رسالتها إلى هيئة الانتخابات أن رفضها قبول أحكامها بإدراج المرشحين للسباق الانتخابي “سيفرز وضعية غير قانونية تتعارض مع القانون الانتخابي ومع مبدأ شفافية المسار الانتخابي وسلامة إجراءاته”، في تلميح لإمكانية الطعن بنتائج الانتخابات.

وبعد أيام قليلة من ذلك التحذير، برز فجأة مشروع هذا القانون لإلغاء دور المحكمة الإدارية وتعويضها بمحكمتي الاستئناف والتعقيب في باب النزاعات والطعون التي يمكن أن يقدمها المترشحون ضد هيئة الانتخابات، مما غذى الشكوك حول نزاهة هذه الانتخابات.

وبسبب الصدمة التي أحدثتها هذه الخطوة غير المسبوقة، اشتعل جدل كبير على منصات التواصل، وعلّق البعض قائلا إنه لم يحصل في أي دولة أن تم تغيير القانون الانتخابي أثناء سير العملية الانتخابية. واعتبر آخرون الخطوة مدروسة من الرئيس سعيد للبقاء في الحكم.

وردا على تلك الخطوة، دعت “الشبكة التونسية للحقوق والحريات” المتكونة من أحزاب وجمعيات، للاحتجاج وسط العاصمة رفضا لتجريد المحكمة الإدارية من دورها في مراقبة العملية الانتخابية، معتبرة أن الرئيس سعيد “يسعى للتلاعب بنتائج الانتخابات”.

الحيلولة دون الطعن

ويقول المحامي وأستاذ القانون عبد الوهاب معطر إن الهدف المباشر من مخطط تنقيح قانون الانتخابات هو “الحيلولة دون طعن المرشحين المستبعدين تعسفا من هيئة الانتخابات بنتائج الانتخابات” لدى المحكمة الإدارية التي يُنظر لها كآخر حصن يدافع عن استقلال القضاء، وكسلطة قضائية مضادة للسلطة التنفيذية في تونس.

ويؤكد معطر للجزيرة نت أن تجريد المحكمة الإدارية من اختصاص النزاع الانتخابي وتحويله إلى القضاء العدلي -وفق التعديلات الجديدة- هدفه تحويل النزاع الانتخابي إلى قضاء خاضع للرئيس، معتبرا أن هذه الخطوة “عبث وإهانة للتونسيين واستباحة للدولة قبل أيام من الانتخابات”.

وبالنظر إلى المناخ العام وكل الانتقادات الموجهة لهيئة الانتخابات بالانحياز للرئيس سعيد وتعمد إقصاء المرشحين الذين أنصفتهم المحكمة الإدارية، لدى معطر يقين أن المحكمة الإدارية كانت ستقبل طعون المرشحين الثلاثة المستبعدين، لذلك سحب الرئيس البساط منها.

جانب من المسيرة الاحتجاجية ضد الرئيس قيس سعيد/العاصمة تونس/سبتمبر/أيلول

إلغاء الأصوات

ويرى معطر أن مخطط تعديل قانون الانتخابات يعكس حالة خوف الرئيس من الهزيمة في الانتخابات، مضيفا أن الهدف الثاني من تعديل قانون الانتخابات هو الحصول على مصادقة القضاء العدلي لإلغاء الأصوات التي سيحصل عليها المرشح المسجون العياشي زمال.

وكان الرئيس قيس سعيد قد أدخل سابقا تعديلات في قانون الانتخابات مدرجا الفصل (143) الجديد الذي ينص على إمكانية إلغاء نتائج الفائزين بصفة كلية أو جزئية إذا تبين لهيئة الانتخابات أن مخالفاتهم قد أثّرت على نزاهة العملية الانتخابية وعلى نتائج التصويت.

ولم يتسن للمرشح العياشي زمال أن يخوض حملته الانتخابية بشكل طبيعي وعلى قدم المساواة مع المرشحين قيس سعيد وزهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب، بسبب إيداعه في السجن وتحريك قضايا يقول فريق دفاعه إنها “مفبركة لإقصائه من السباق الانتخابي”.

من جهة أخرى، يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني إن التوجه لسحب البساط من المحكمة الإدارية بتعديل القانون الانتخابي في قلب الحملة الانتخابية لم يحصل بأي بلد..، واصفا هذه الخطوة بـ”الفضيحة والمهزلة”.

ويضيف للجزيرة نت أن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية خلال سنة انتخابية هو اغتيال للديمقراطية، مشيرا إلى أن تجريد المحكمة الإدارية من اختصاص النزاعات الانتخابية وتعويضها بالقضاء العدلي الخاضع لأوامر وزيرة العدل دليل على أن الرئيس لا يريد قضاء مستقلا.

وكان الرئيس سعيد قد صرح في حديث إذاعي، قبل صعوده للحكم في الانتخابات الرئاسية سنة 2019، بأنه لا يمكن تعديل القانون الانتخابي أثناء سير العملية الانتخابية، معتبرا ذلك اغتيالا للديمقراطية والجمهورية.

ولا يستبعد العجبوني أن يقوم البرلمان الحالي الصاعد بموجب دستور 2022 الذي صاغه الرئيس سعيد بنفسه بالمصادقة على تعديل القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات المفترض إجراؤها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، معتبرا البرلمان مجرد “مكتب ضبط”، على حد وصفه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version