رام الله- وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الأربعاء، وبأغلبية 124 صوتا مقابل معارضة 14، على أول قرار تقدمه فلسطين يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة خلال 12 شهرا.

ويهدف مشروع القرار إلى تأييد الرأي الاستشاري الذي كانت قد أصدرته محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز الماضي، للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتفكيك المستوطنات ومنظومتها غير القانونية وجدار الفصل العنصري، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس المحتلة.

وتكمن أهمية القرار الجديد -وفق مسؤولين ومختصين- في كونه يصدر بطلب من فلسطين لأول مرة بعد أن حصلت على امتيازات بالمنظمة الدولية تمكنها من طرح مشاريع قرارات، حيث كانت تطلب من دول أو مجموعات أخرى تقديمها. كما أن القرار حدد موعدا لعقد مؤتمر دولي يضع آليات لتنفيذه.

لحظة تاريخية

القرار الذي قوبل بترحيب محلي وعربي وإسلامي ودولي واسع، وصفه مسؤولون فلسطينيون بأنه يحظى “بأهمية خاصة”.

وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة لصالح القرار يشكل “إجماعا دوليا” على عدالة القضية الفلسطينية وانتصارا لحق الشعب الفلسطيني، وفق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية.

وأضاف عباس أنه يحظى بـ”أهمية خاصة، كونه اعتمد في لحظة تاريخية، حيث تجلس فلسطين لأول مرة في مقعد رسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حسب الترتيب الأبجدي للدول الأعضاء”.

وفي مايو/أيار اعتمدت الجمعية العامة قرارا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب. كما يحدد طرقا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالمنظمة الدولية.

واعتبر الرئيس الفلسطيني أن القرار “يجدد الأمل” لدى الشعب الفلسطيني “بتحقيق طموحاته بالحرية والاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية”.

في حين قالت الخارجية الفلسطينية في بيان وصل الجزيرة نت نسخة منه، إن القرار “بارقة أمل في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني إلى إبادة جماعية، وخطوة مهمة لردع ومساءلة منظومة الاستعمار، والأبارتهايد الإسرائيلي”.

وأضافت في بيان أنه يعبر عن “جاهزية العالم لاتخاذ إجراءات وعقوبات وعواقب على الاحتلال ومجرميه”.

أهمية قانونية وسياسية

ينضم القرار الجديد للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى رزمة قرارات أصدرتها الجمعية ومجلس الأمن بدون أن تجد طريقها إلى التنفيذ. لكن ما أهمية القرار الجديد قانونيا وسياسيا؟

وفق وزير العدل السابق، أستاذ القانوني الدولي الدكتور محمد فهد الشلالدة فإن القرار -فضلا عن مطالبته بوضع حد للاحتلال- دعا الدول لإنهاء أي تدابير تسبب تغييرا ديمغرافيا أو جغرافيا في الأراضي المحتلة.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن القرار جاء بعد رفع المكانة القانونية لفلسطين حيث أصبحت تعامل حسب الترتيب الأبجدي كبقية دول العالم وأعطيت العديد من الامتيازات كالمشاركة في النقاش وطرح الأسئلة “وهذا بحد ذاته يعتبر مقدمة مهمة جدا لقبول العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية بالأمم المتحدة أولا، ويشجع الدول على الاعتراف القانوني الدولي بدولة فلسطين ثانيا”.

وأوضح الشلالدة أن الجمعية العامة باعتبارها المرجعية والسلطة التشريعية في العالم هي التي طلبت الرأي الاستشاري الذي أعيد لها وتم التصويت عليه “وستصدر قرارات تنفيذية، بدون الاقتصار على الرأي الاستشاري، إنما آليات تنفيذية لإلزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال والانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967”.

مؤتمر دولي للتنفيذ

وقال الوزير السابق إنه “لأول مرة يطرح مشروع قرار بتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي تعرض لها منذ عام 1967”.

وتابع أن القرار يطرح أيضا عقد مؤتمر دولي خاص خلال الدورة الـ79 للجمعية العامة، لتنفيذ القرارات ذات الصلة بقضية فلسطين.

وأكد أن “القرارات الصادرة عن الجمعية العامة تتمتع بقيمة قانونية هامة جدا في ظل فشل وعجز وإخفاق مجلس الأمن وذلك لاستخدام حق النقض الفيتو من قبل الولايات المتحدة الأميركية”.

وخلص إلى أن القرارات التي تصدر من الجمعية العامة “بحاجة إلى آليات تنفيذية ولها قيمة قانونية وسياسية: فهي تفتح المجال لدولة فلسطين لأن ترسخ مفهوم السيادة، وتشجع المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرات قبض وتوقيف بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين، كما أنها تشجع قضاة محكمة العدل الدولية على التسريع في حسم القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا حول اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية”.

وأواخر العام الماضي، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكابها “إبادة جماعية” في غزة.

وفي مايو/أيار أعلن مدعي عام المحكمة كريم خان السعي لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.

تحد كبير

من جهتها اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية أن القرار “جدد التأكيد على عدم الشرعية القانونية لوجود الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية” وفق عضو لجنتها التنفيذية واصل أبو يوسف.

وأضاف القيادي الفلسطيني -في حديثه للجزيرة نت- أن القرار “أكد على أهمية إزالة آثار كل ما له علاقة بالاحتلال -بما في ذلك المستعمرات والمستوطنون- عن أراضي فلسطين المحتلة”.

وتابع أن طرح القرار بحد ذاته أمام الجمعية العام أمس “كان بمثابة تحد كبير خاصة بعد تصريحات وتهديدات مسؤولين إسرائيليين في محاولة لمنع تقديمه، ومن تلك التهديدات تقويض وضع السلطة الوطنية وحجب أموال المقاصة (أموال ضرائب فلسطينية تحتجزها إسرائيل) وسرقتها وفرض عقوبات على السلطة”.

وأضاف أن تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة لصالح القرار هو اصطفاف لجانب القضية الفلسطينية، و”كان تصويتا واضحا لجانب عدالة القضية وحقوق الشعب الفلسطيني وأهمية وقف الحرب التي يتعرض لها وإنهاء الاحتلال وإزالة المستعمرات والمستعمرين”.

وقال أبو يوسف إن المطلوب هو الموازنة بين تعزيز صمود المواطنين على الأرض وتحدي ومقاومة الاحتلال وعصابات المستوطنين وحماية الشعب من جهة، والجهد السياسي والدبلوماسي مع الدول لتحقيق مزيد الاعتراف بدولة فلسطين من جهة ثانية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version