قالت صحيفة لوموند إن الحكومة السورية تدفع ثمن رفضها تقديم التنازلات، وعدم قدرتها على الإصلاح والخروج من عزلتها، فعاد التمرد الذي استعاد السيطرة على حلب في هجوم خاطف إلى الانتعاش، من دون أن يبدي الجيش وحلفاؤه الإيرانيون وحزب الله اللبناني أي مقاومة.

وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم لور ستيفان من بيروت- أن الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان على علم بضعف جيشه، تخلى عام 2015 في ذروة تقدم من وصفتهم بالمتمردين، عن مناطق يعتبرها ثانوية مثل إدلب، لتعزيز سيطرته على مناطق أكثر إستراتيجية.

ورأت الصحيفة أن المقاتلين “المتمردين” اغتنموا اللحظة، بعد أن أصيب المعسكر الموالي لإيران بالضعف بسبب الضربات التي وجهتها له إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا، ولم تعد روسيا، التي تشغلها حربها في أوكرانيا، تتمتع بنفس الموارد المالية والبشرية التي كانت تتمتع بها عندما نشرت طائراتها في قاعدة حميميم على الساحل السوري.

تعنت قاتل

وأشارت الصحيفة إلى أن بشار الأسد، الذي ظل منبوذا في نظر الغربيين بسبب القمع الدموي الذي مارسه على شعبه، تمكن من إنقاذ منصبه بفضل تدخل حلفائه الروس والإيرانيين الأقوياء، لكنه لم يتمكن أبدا من استعادة كامل الأراضي السورية، وأصبح ملكا لدولة مجزأة ومحرومة من الموارد، وغير قادرة على إعادة بناء نفسها والنهوض من جديد.

وترى الصحيفة أن تراجع قوة النظام يعود إلى رفضه تقديم التنازلات والتعاون في المفاوضات على المستوى الإقليمي، وأن ما يحدث في حلب الآن نتيجة لهذا التعنت، وقالت الباحثة ريم تركماني في كلية لندن للاقتصاد، إن الشيء الرئيسي بالنسبة للأسد هو البقاء في السلطة دائما، وإن كان ذلك لا يعني أنه قوي.

وفي مواجهة أنقرة، التي ترغب في الحصول على شكل من أشكال الحكم الذاتي لإدلب من أجل إعادة جزء من 3 ملايين لاجئ سوري يقيمون على أراضيها، ولكي تكون قادرة على التدخل متى شاءت ضد الأكراد، تمسكت دمشق بمواقفها بضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية قبل أي حوار.

إستراتيجية حافة الهاوية

وبعد إعادة دمجها في جامعة الدول العربية في عام 2023، لم تقدم سوريا أيضا ضمانات حسن السلوك التي توقعها جيرانها العرب، سواء فيما يتعلق بمسألة عودة اللاجئين أو فيما يتعلق بتهريب مخدر الكبتاغون الذي تنتجه بكميات كبيرة وتغرق به الدول المجاورة، وبالتالي لم يتجاوز التقارب بالنسبة للدول العربية شبه تطبيع لأسباب عملية.

ويشير سنان حتاحت المتخصص في الشؤون السورية، إلى أن “النظام السوري” وصل إلى درجة من الضعف الهيكلي جعلته يخشى، حتى لو أراد تقديم تنازلات للمعارضة، أن يؤدي ذلك إلى مخاطرة لا يستطيع معرفة نهايتها.

وللخروج من المشاكل -كما يقول الخبير الاقتصادي السوري سمير عيطة- يمكن أن يلجأ بشار الأسد إلى إستراتيجية حافة الهاوية التي مارسها والده حافظ، وهي وضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، “أنتم تريدون هيئة تحرير الشام ولست أنا من يريدها. سوف تحصلون عليها”، كما سوف يتحدى الثوار بتوفير احتياجات 4 ملايين نسمة من سكان حلب.

ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى “وقف التصعيد” في سوريا، و “من المذهل -كما كتب حسن حسن، مؤسس مجلة نيو لاينز ومجلة سوريا أوبزرفر- أن نرى زعماء العالم يحشدون جهودهم اليوم علنا لضمان عدم انهيار نظام الأسد، بالطريقة التي حشدوا بها عام 2011، لضمان الإطاحة به”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version