قالت صحيفة “لوتان” الفرنسية إن انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة يضغط على الزعماء الأوروبيين لتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعوها فيما يتعلق بأوكرانيا، وقد عاد موضوع إرسال قوات أوروبية إلى كييف للنقاش رغم أن الجنود موجودون بالفعل هناك ولكن بتستر تام.

ولم يكد ترامب ينتظر انتخابه حتى بدأ يحرك الخطوط الحمراء التي رسمها الأوروبيون بشأن أوكرانيا، وقد دفع ادعاؤه القدرة على إنهاء الحرب “خلال 24 ساعة”، بالإضافة إلى مشاركة ما يقارب 10 آلاف جندي كوري شمالي إلى جانب الروس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمطالبة بالمزيد من الصواريخ طويلة المدى وأنظمة الدفاع المضادة للطائرات، وبالانضمام السريع إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ومع أن طلب أوكرانيا الدخول في حلف شمال الأطلسي يصطدم بجدار من الرفض فإن المحرمات تتساقط على الجانب الأوروبي، خاصة إرسال قوات إلى الأراضي الأوكرانية، وهو خيار كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طرحه في فبراير/شباط الماضي، ولكنه كان مثار جدل وقتها.

1 ما الذي نتحدث عنه بالضبط؟

قالت الصحيفة -في تقرير لفاليري دي غرافنريد وكميل باجيلا- إن ترامب هو الذي يحدد اللهجة الآن، وقد دعا من خلال منصته “تروث سوشيال” كييف وموسكو إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، ولذلك يخشى الأوروبيون أن ينزلوا إلى مرتبة المراقبين السلبيين في “صفقة” تجميد الصراع التي قد يُستبعدون منها، وهم بالتالي لا يريدون “دور المفعول به” في مفاوضات تتعلق بأمنهم.

وفي هذا السياق، أشار الحلفاء مؤخرا إلى استعدادهم للنظر في إرسال قوات إلى الأراضي الأوكرانية، وأعرب الرئيس الأوكراني بوضوح لأول مرة عن تأييده مثل هذا الانتشار، في انتظار انضمام بلاده المفترض إلى الناتو، كما أثار ماكرون هذه القضية مع رئيس وزراء بولندا دونالد تاسك، وأخبره عن مداولاته مع ترامب وزيلينسكي.

2- ما السيناريوهات المختلفة التي تم أخذها بعين الاعتبار؟

وعلى هذا الأساس، رأت الصحيفة أن هناك خيارات عدة الآن قيد المناقشة ولكنها محاطة بشيء من الغموض لأسباب إستراتيجية ولعدم إعطاء الكثير من المؤشرات لروسيا، وسيكون على رأسها تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بهدف وقف إطلاق النار وضمان السيطرة على منطقة منزوعة السلاح.

ويرى المحلل العسكري المستقل نيكلاس ماسوهر أن أحد الخيارات التي يدرسها الأوروبيون يتفق مع فكرة إرسال بعثة لحفظ السلام أو مراقبين لحفظ السلام على شكل “وجود خفيف” على طول خط التماس.

لكن نشر مثل هذه القوة -حسب ماسوهر- لا يشكل رادعا كافيا لروسيا، كما أن هذا النوع من المراقبين يجب أن يكون على درجة من الحياد، علما أن الكرملين يعد أغلبية الدول الأوروبية أطرافا في الصراع.

وهناك خيار آخر أكثر هجومية -حسب الصحيفة- وهو قوة ردع من نوع “سلك التعثر” حسب المصطلحات العسكرية، بحيث يتم وضع قوة أوروبية في طريق الروس، ولكن السيناريو الأكثر تطرفا هو إرسال قوات أوروبية مباشرة إلى الجبهة لدعم القوات المسلحة الأوكرانية، وهو ما كان يعنيه ماكرون وقد تسبب في “صدمة”.

3- وقف إطلاق النار

ليس هناك ما يشير في هذه المرحلة إلى أن روسيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن رؤية جيش فلاديمير بوتين يتجه إلى الهجوم خارج دونباس واكتساب الزخم خلال الأشهر الستة المقبلة احتمال قائم بالفعل، وإذا انتصر فسوف تواجه الدول الأوروبية وضعا مختلفا تماما عن وضع “تجميد” خط المواجهة.

وهناك بعض القرائن -كما تقول الصحيفة- يمكن أن تؤدي إلى تغيير الموقف الروسي، بينها على المستوى الاقتصادي انخفاض قيمة الروبل المتواصلة منذ صيف 2022، وعلى المستوى العسكري احتمال نقص في المركبات بالنسبة للجيش الروسي، ويقول ماسوهر “إذا تحققت هذه التوقعات فمن المحتمل أن تكون هناك فرصة للمفاوضات في عام 2025”.

ترامب ينتقد استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لضرب روسيا

4- الدول مستعدة للانطلاق

يعد الرئيس الفرنسي أول زعيم أوروبي يطرح فكرة إرسال قوات أوروبية، وقد قال “إذا تمكن الروس من اختراق الخطوط الأمامية وكان هناك طلب أوكراني يتعين علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا بشكل مشروع”.

ومع أن اقتراحه أثار ردود فعل قوية فإن النقاش بشأن هذه المسألة أعيد تنشيطه خلال لقاء بين ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أنه لا ينبغي “استبعاد” أي خيار، ودعا الحلفاء إلى عدم “وضع خطوط حمراء”، وقال “لن تسمح فرنسا والمملكة المتحدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن يحقق مراده، سنقوم مع حلفائنا بحشد كل الجهود اللازمة لوضع أوكرانيا في أفضل وضع ممكن لتحقيق سلام عادل ودائم”.

وتعد دول البلطيق المجاورة مباشرة لروسيا والمستهدفة بالهجمات الهجين من بين الدول الأكثر شراسة ضد موسكو، وقد واصلت الضغط من أجل دعم أكبر لكييف، لكن انتخاب ترامب يغير الوضع ويعزز التفكير في إرسال القوات، ويمكن لدول البلطيق ودول الشمال وكذلك بولندا أن تشكل دعما أساسيا لتحالف أوروبي محتمل.

5- الحالة الألمانية الخاصة

أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنه يجد “من غير المناسب على الإطلاق التكهن بإرسال قوات، ومن المستحيل بالنسبة لنا أن نرسل قوات أو جنود إلى أوكرانيا ما دامت الحرب مستمرة”.

ويبدو أن العديد من المعلقين الذين ينتقدون ألمانيا ينسون أنها ثاني أكبر مورّد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، مع أن موقفها يمكن أن يتغير مع رغبة فريدريش ميرز زعيم المعارضة المحافظة والمفضل في السباق على المستشارية في تزويد أوكرانيا بطائرات طوروس وصواريخ كروز بعيدة المدى.

6- هل يوجد بالفعل جنود أوروبيون هناك؟

أكدت الصحيفة وجود جنود أوروبيين في أوكرانيا ولو لم تؤكد أي دولة ذلك علنا، مشيرة إلى أن “الغموض الإستراتيجي” هو السائد، إذ يرى الضابط الفرنسي السابق غيوم أنسيل أن “ثلث الحلفاء لديهم جنود على الأرض”، إما من المخابرات أو مدربين وفنيين أو مستشارين عسكريين، ولكنهم لا يرتدون الزي الرسمي عادة، وبالتالي فهم غير موجودين رسميا.

ولإضافة شيء من الغموض قد يكون هؤلاء “العسكريون الغربيون” الموجودون حاليا في أوكرانيا جزءا من القوات الخاصة أو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أو يتدخلون كمتطوعين، ويوجد ما لا يقل عن 1500 منهم ضمن الفيلق الدولي للقوات الأوكرانية، وفقا لتحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

7- خطر الانسحاب الأميركي

والخطر القائم اليوم -حسب الصحيفة- هو أن ترامب يستطيع إنهاء جميع المساعدات المالية والعسكرية المقدمة لكييف، وعندها سيكون الانسحاب الأميركي مدمرا فيما يتعلق بأنظمة الاستخبارات خاصة، لأن الأوروبيين يعتمدون على القدرات الاستخباراتية الأميركية بشكل كبير، علما أن الأميركيين قادرون على تحديد مسارات الصواريخ بدقة عالية، في حين أن الأوروبيين لا يملكون الوسائل لذلك.

وفيما يتعلق بالمساعدات العسكرية سيكون من المستحيل بالنسبة لأوروبا أن تسد الفجوة التي قد تنشأ عن الانسحاب الأميركي المحتمل، ويوضح نيكلاس ماسوهر “يمكن لأوروبا أن تنتج ذخيرة مدفعية لأوكرانيا، وهو ما تفعله بالفعل”، وهذا عنصر مهم لكنه ليس كل شيء.

ويدرس الأوروبيون سيناريوهات عدة -حسب الصحيفة- مثل أن تتبنى الولايات المتحدة موقفا سلبيا أو أن تقوم بالعرقلة، ويقول ماسوهر إن “الخيار الأخير هو أن تكون الولايات المتحدة معادية بشكل نشط للدول الأوروبية وتركز على علاقاتها الثنائية مع روسيا على حساب حلف شمال الأطلسي وأوروبا، وبالطبع أوكرانيا”.

أما بالنسبة للأوكرانيين فإن السيناريو الأسوأ هو إجراء عملية تفاوض بين الولايات المتحدة وروسيا دون الأوكرانيين والأوروبيين، إلى جانب تجميد الدعم لكييف ومواصلة الروس الحرب.

8- سيناريو النموذج الكوري

انقلب المد لصالح الجانب الأوروبي عندما كسر الرئيس الأوكراني أحد المحظورات ودعا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إدراكا منه لعدم إمكانية تلبية مطلبه بالعضوية السريعة في الناتو إلى حماية الحلف المناطق التي لا تزال تسيطر عليها كييف، وأشار ضمنيا إلى أنه في المقابل سيكون مستعدا للتخلي “على الفور” عن استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، أي نحو 18% من البلاد.

ويشير غيوم أنسيل إلى النموذج الكوري، وهو الصراع الذي تم تعليقه مع خط ترسيم الحدود الذي تراقبه القوات، وعليه سيكون الأمر “تجميد” خط المواجهة، دون أن يكون ذلك نتيجة لمفاوضات سلام، وهذا ما يدفع الجيشين إلى محاولة إحراز المزيد من التقدم “لكن الأمر الخطير للغاية في وضع مثل هذا أنه يمكن أن يستمر لمدة 70 عاما” كما في كوريا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version