قال خبير عسكري إن الغرب بحاجة لتبني إستراتيجية جديدة لما بعد الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا على الجيش الروسي، إذا كان يريد لها أن تنتصر في الحرب.

وشدد ميك رايان -وهو لواء متقاعد في الجيش الأسترالي- في مقال بمجلة “فورين أفيرز”، على أن تقديم دعم مستدام لكييف قد لا يحظى بترحيب العديد من الساسة الغربيين المقبلين على انتخابات قادمة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

واقترح الكاتب طريقة أخرى لمساعدة الأوكرانيين على مواصلة تطورهم من حيث الجودة والقدرة على التحمل، وهي التأكد من أنهم يدركون أن الغرب على استعداد لدعمهم في حربهم من أجل هزيمة روسيا.

ولفت إلى أن الشعب الأوكراني -الذي خاض غمار3 هجمات عسكرية كبرى في عام 2022- يستخدم في حربه الحالية ضد روسيا في جنوب البلاد مزيجا من المعدات السوفييتية العتيقة والغربية الحديثة.

ورغم أن المسار البري الرابط بين المناطق الروسية يعد هدفا مهما، فإن تحرير مساحات واسعة من الأراضي التي تحتوي على ثروات زراعية ومعدنية توفر للحكومة الأوكرانية إيرادات كبيرة، لا يقل أهمية.

هل فشل الهجوم المضاد؟

وشدد الجنرال الأسترالي في مقاله بالمجلة الأميركية على أن الوتيرة البطيئة للهجوم -كما وصفها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي- لا ينبغي أن تفاجئ من درسوا الصراعات العسكرية والتحديات التي تواجه العمليات الهجومية.

وأشار إلى أن بعض المسؤولين الأمنيين وصناع السياسات الأميركيين أوعزوا إلى أن عدم تحقيق تقدم سريع يعني أن الهجوم الأوكراني المضاد لن ينجح.

على أن كاتب المقال يرى أن من السابق لأوانه تحديد اتجاه سير الصراع، مضيفا “ولكن كما تدل معارك الاستنزاف الطاحنة على الجبهة الجنوبية لأوكرانيا، فإن كييف تواجه العديد من التحديات قبل أن تتمكن من تحرير البلاد بالكامل”.

ولعل أكبر تلك التحديات هو أن الغرب -رغم كل الدعم الذي يقدمه لكييف- يفتقر إلى إستراتيجية متماسكة في التعامل مع أوكرانيا، حسب اعتقاد رايان.

إستراتيجية النصر

ولما كان من المرجح أن تستمر هذه الحرب حتى عام 2024، وربما لفترة أطول، فإن الولايات المتحدة ودول أوروبا بحاجة لإستراتيجية من هذا القبيل.

ويتوجب عليهم في هذا الصدد التوصل إلى كيفية تسخير مواردهم المادية والفكرية بشكل أفضل لدعم أوكرانيا الآن، وخلال الشتاء القادم، وفي الأعوام المقبلة، حتى تتمكن كييف من تحقيق نصر عادل ودائم.

ولتحقيق هذه الغاية -يقول الكاتب- فإن على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يوضحا أن هدفهما الجلي هو أن تتمكن كييف من هزيمة القوات الروسية في أوكرانيا، وإسكات الدعاية الروسية الموجهة للعالم. ويتعين عليهما بعد ذلك تزويد أوكرانيا بمعدات موحدة، وتدريب فردي وجماعي معزز.

ومن بين الإمكانات التي يرى رايان ضرورة توفيرها للأوكرانيين مزيد من معدات إزالة الألغام، ومساعدتهم على تطوير أساليب جديدة لاختراق الدفاعات الروسية.

ويرى الخبير العسكري الأسترالي أن تلك المقترحات تعتبر أفضل وسيلة لضمان انتهاء نضال أوكرانيا من أجل التحرر بانتصار لا يشوبه لبس أو غموض.

تعثر

غير أنه يستدرك قائلا إن الهجمات الأوكرانية المتواصلة منذ أكثر من شهرين “تعثرت لسوء الحظ أمام مخطط دفاعي روسي محكم يشتمل على حقول ألغام على نطاق واسع”، في ظل افتقار الطرف الآخر إلى خطة رئيسية محددة، وأوجه قصور في التكامل على أعلى المستويات بين أسلحة المدرعات، والمشاة، والمهندسين والمدفعية، وفقا للمحلل العسكري مايكل كوفمان.

إن التحديات التي تسببت فيها الدفاعات الروسية لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل المناصرين لأوكرانيا، طبقا لمقال فورين أفيرز الذي يعتقد كاتبه أنه ما كان ينبغي تجاهل تلك العقبات “ذلك أن مخاطر حقول الألغام تدركها العقيدة العسكرية الغربية جيدا، وكان على دول الناتو تزويد أوكرانيا بمزيد من المعدات الآلية لاختراق حقول الألغام وإزالتها”.

ويعتقد رايان أن هذا الفشل من جانب تلك الدول دليل على القصور الفكري الذي اعترى العديد من المؤسسات العسكرية الغربية.

ومما يزيد الطين بلة -برأيه- أن العقيدة العسكرية والتدريب على الأسلحة الموحدة وتطهير حقول الألغام ظلت عائقا لعقود من الزمن، وأن الغرب لم يكن لديه سوى وقت محدود لإعداد فرق من أسلحة مشتركة على مستوى التشكيلات الأوكرانية، لا سيما فيما يتعلق بالألوية حديثة التكوين.

وعلى الرغم من تلك التحديات، فقد تكيف معها الأوكرانيون “وهي إحدى نقاط قوتهم المؤسسية، حيث انتهجوا إستراتيجية متدرجة تقوم على تحرير الأرض ثم التشبث بها في الجنوب، الأمر الذي قلل من الخسائر البشرية مع زيادة الضغط تدريجيا على الدفاعات الروسية”.

وكانت النتيجة أن تمكن الأوكرانيون من إحراز تقدم في الجنوب، وتحرير العديد من المدن المهمة.

وفي الوقت نفسه، تدير القيادة الأوكرانية العليا عدة حملات عسكرية أخرى. ففي الشرق، تشن هجوما جديدا على مدينة باخموت، وإلى الشمال، يخوض الأوكرانيون حملة دفاعية ضد هجوم روسي في مقاطعة لوهانسك، وحتى الآن ما يزالون متمسكين بمواقعهم.

ويمضي الكاتب قائلا إن كلًّا من الأوكرانيين والروس يمتلكون الموارد والإرادة لخوض حرب ممتدة. وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على روايته بأن حلف الناتو يشكل تهديدا لبلده، وهو يواصل المناداة بالفكرة المضللة التي تروج لروسيا العظمى.

لذا يتعين على الغرب -بحسب الكاتب- تقبل أن هذه الحرب ستكون طويلة الأمد، وأن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت لمواصلة تعزيز قدرات أوكرانيا البرية والجوية والبحرية والسيبرانية والصناعية والمعلوماتية حتى تتمكن البلاد من التغلب على روسيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version