داخل قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا حيث بدأت “هدنة هشة” مع مقاتلي هيئة تحرير الشام، الحاكم الجديد لسوريا، كان الجو وديا بين هذه القوات والجنود الروس، رغم أنه وقبل أكثر من أسبوع كانت الطائرات الروسية تقلع من هذه القاعدة لتلقي القنابل على جماعات المعارضة.

بهذه المقدمة بدأ مراسل صحيفة “غارديان” البريطانية وليام كريستو تقريرا له من داخل قاعدة حميميم، مشيرا إلى أن الجانبين -الروس والفصائل التي تسيطر على سوريا حاليا- بدآ مفاوضات.

ونقل كريستو عن ممثل للجيش الروسي، الذي سمح لصحيفة “غارديان” بالوصول النادر إلى القاعدة الجوية، قوله: “لا نشعر بعدم الأمان، ونأمل في إقامة علاقات ودية مع الحكومة الجديدة بمجرد أن تصبح حكومة شرعية. الاتصالات مع هيئة تحرير الشام بدأت قبل أسبوع لتنسيق الشؤون العسكرية بين الجانبين”.

وقال الممثل العسكري الروسي “لا يقوم أي من الطرفين باستفزاز الآخر والأمور على ما يرام”، كما أشار إلى صناديق المساعدات الإنسانية وحقائب الظهر التي تحمل علامة وزارة الدفاع الروسية، والتي قالوا إنها هدية من روسيا للشعب السوري.

زوال مشاعر الخوف

وأشار كريستو إلى أن مقاتلي هيئة تحرير الشام كانوا يقومون بحراسة بوابات القاعدة الجوية عندما أقلعت طائرات مقاتلة روسية من طراز ميغ، مضيفا أن أبو خالد، وهو مقاتل من هيئة تحرير الشام يبلغ من العمر 26 عاما من ضمن حراس البوابات قال له: “كنا نشعر بالخوف كلما سمعنا صوت طائرة روسية، أما الآن فقد أصبح الأمر طبيعيا”.

وأضاف الكاتب أن الجنود الروس في الخارج، لا يزالون يتحركون بطريقة مشوشة حول بلدة حميميم، ويتسوقون في المتاجر، حيث لم يتضح مصير قاعدتيهم الجوية والبحرية بعد.

وقال مسؤول في هيئة تحرير الشام مطلع على المحادثات لـ”غارديان” إن الهيئة، التي تسيطر على مقاليد الأمور في البلاد حاليا، وروسيا لا تزالان في “الخطوة الأولى” للمفاوضات حول الاحتفاظ بالقواعد العسكرية في سوريا وكيفية ذلك. ووصف الجانبان أجواء المفاوضات بأنها إيجابية.

وتريد روسيا الحفاظ على سيطرتها على ميناء طرطوس، وهو ميناؤها الوحيد في البحر الأبيض المتوسط وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وهي نقطة لوجستية رئيسية لعملياتها في أفريقيا.

نهج براغماتي

وقال كريستو إنه وعلى الرغم من اعتراف مسؤول هيئة تحرير الشام بدور روسيا في قصف المدنيين الأبرياء في سوريا منذ عام 2015، يبدو أن الهيئة تتخذ نهجا براغماتيا تجاه علاقاتها مع القوى الأجنبية، إذ قال هذا المسؤول إنه لن تكون هناك “خطوط حمراء” في المفاوضات مع الروس، والتي ستستند إلى “مصالح إستراتيجية وليست أيديولوجية”.

وذكر التقرير أن موسكو وهيئة تحرير الشام قامت كل منهما بتحركاتها الافتتاحية: عرضت موسكو مساعدات إنسانية لسوريا، الغارقة في أزمة اقتصادية وإنسانية. وتم رفض ذلك، حيث شعرت هيئة تحرير الشام أن لديها العديد من المانحين الأجانب يطرقون بابها بالفعل.

وقال مسؤول هيئة تحرير الشام إن الحكومة السورية الجديدة ستطلب من روسيا تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد أو تطلب تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أضاف بأنهم غير متفائلين بأن روسيا ستوافق على أي من الطلبين.

وقال كريستو يبدو أن الهدف الأساسي لهيئة تحرير الشام هو إقامة علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع روسيا والقوى الدولية الأخرى، وهو ما قال مسؤول الهيئة إنه سيضفي الشرعية على الحكومة الجديدة. وأشار المسؤول إلى الانسحاب المتسرع للقوات الأميركية من أفغانستان في عام 2021 كدرس حول ما تريد المجموعة تجنبه مع روسيا.

غادروا حمص بسلام

وتحقيقا لهذه الغاية، وفرت هيئة تحرير الشام الأمن للقوات الروسية على مدى الأيام القليلة الماضية حيث نقلت المركبات والأفراد من قاعدة “تي 4” الجوية في حمص، إلى قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس.

وقد ملأت طوابير من ناقلات الجنود المدرعة الروسية والدبابات والشاحنات الصغيرة التي ترفع العلم الروسي الطرق السريعة في سوريا خلال اليومين الماضيين، برفقة مقاتلي هيئة تحرير الشام.

وأكد الممثل العسكري الروسي أن قاعدة “تي 4” الجوية في حمص قد أفرغت بالكامل من الأفراد والمعدات بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام. وأضاف أن القوات لا تنسحب من سوريا بل تعيد تموضعها فقط، بينما تنتظر الرئاسة الروسية لاتخاذ قرار بشأن ما يجب القيام به بعد ذلك.

ونقل التقرير عن مسؤول بهيئة تحرير الشام القول إن الظروف المعيشية في قاعدة “تي 4” المحاصرة أصبحت سيئة الأسبوع الماضي، مع تراكم النفايات وتناقص الإمدادات الغذائية، لكن الممثل الروسي لم يعلق على ذلك.

وأشار التقرير إلى أن قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس هما الآن القواعد الروسية النشطة الوحيدة في سوريا، وبعيدتان كل البعد عن النشاط العسكري الذي كانت تقوم به موسكو بشكل واسع في البلاد تحت حكم الأسد.

وأوضح أن حل مسألة طرطوس أسهل من حل مسألة القاعدة الجوية وفقا للقانون الدولي، حيث قال مسؤول هيئة تحرير الشام إن المجموعة منفتحة على السماح للروس بالحفاظ على سيطرتهم على الميناء.

هل يوافق الشعب؟

وما إذا كان الشعب السوري سيوافق على استمرار الوجود الروسي في البلاد بعد سنوات من قصف الطائرات الروسية للناس في الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة، فهي قضية أخرى.

ومن جانبها، تبدو هيئة تحرير الشام مستعدة لقلب صفحة الماضي الدموي للحرب في سوريا والتركيز على إخراج البلاد من حالتها الإنسانية البائسة، إذ قال أحد ممثليها: “نحن مجبرون على إصلاح العلاقات، البلاد ميتة، والناس فقراء للغاية. الناس يحاولون جاهدين وقف إراقة الدماء، يرغبون في بناء حياة جديدة والمضي قدما”.

وقال زياد طويل، رئيس مطار اللاذقية الدولي المتاخم للقاعدة الجوية الروسية، إن هيئة تحرير الشام أمرته بالعودة إلى العمل وإعادة تشغيل المطار المدني، لكنه لم يحصل على موافقة الروس إلا يوم الأحد الماضي.

وكانت آخر رحلة مدنية من المطار قبل أسبوعين تقريبا، وكان الجزء الخارجي من المطار مليئا بمركبات الجيش المهجورة وصناديق الأسلحة، على الرغم من أن الجزء الداخلي لم يمس.

وبينما كان طويل يتفقد المطار، برفقة جنود روس، تبادل مقاتل من هيئة تحرير الشام وجندي روسي المزاح. وحرص مقاتل هيئة تحرير الشام، وهو يحدق في المركبات والطائرات العسكرية الروسية، على التقاط بعض صور السيلفي مع المسؤولين العسكريين الروس، قبل الخروج من القاعدة باتجاه زملائه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version