قالت صحيفة “غارديان” البريطانية إن النجاحات التكتيكية الكبيرة التي حققتها إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، كاغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وغيره من قادة الحزب الرئيسيين، لن تغير الديناميكيات الإستراتيجية الأساسية للصراع في المنطقة.

وأوضحت الصحيفة، في مقال بقلم سينا توسي من مركز السياسة الدولية، أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم السبت أن مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله كان خطوة نحو تغيير “توازن القوى في المنطقة لسنوات قادمة” أعقبه بعد أيام قليلة هجوم صاروخي إيراني ضخم تجاوز دفاعات إسرائيل الجوية الهائلة، وذلك يشير إلى التكاليف والمخاطر المرتفعة لمزيد من التصعيد لتل أبيب.

وأشار الكاتب إلى أن النضال الفلسطيني المتطور يشكل التحدي الأعمق في قلب هذا الصراع، إذ يقول عميحاي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “شين بيت” (الشاباك)، إن الفلسطينيين لا يرون أنفسهم مجرد مقاومين للقمع أو ساعين إلى الإغاثة الفورية من المصاعب، بل ينظرون إلى أنفسهم كأمة تقاتل من أجل الاستقلال.

وأضاف أن “الفلسطينيين اليوم، ليست حماس فحسب بل جميعهم، على استعداد للقتال والموت، لا من أجل الغذاء بل من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال. ومنذ اللحظة التي ينظرون فيها إلى أنفسهم كأمة تصبح الحرب مختلفة تماما”.

منطق تاريخي أوسع

وتشير هذه الملاحظة -حسب الكاتب- إلى منطق تاريخي أوسع يقول إنه عندما تنشأ الحركات الوطنية التي تقاتل من أجل تقرير المصير، غالبا ما تكون القوة العسكرية التقليدية وحدها غير كافية لقمعها. وقد أثبتت فيتنام وأفغانستان والصراع الإسرائيلي المطول أن قوات حرب العصابات التي تعاني من مظالم قومية عميقة وتحظى بدعم شعبي لديها قدرة على الصمود وتجاوز الجيوش الحكومية على الرغم من الصعوبات الهائلة.

ورغم أن النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل في الأيام الأخيرة “مثيرة للإعجاب”، فإنها فشلت في تحقيق الاختراقات الإستراتيجية التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها، حسب الكاتب. وعلى الرغم من تدمير أجزاء من قيادة حزب الله، فإن القوات الإسرائيلية لم تتمكن من تحقيق أحد أهدافها الأساسية، وهو ما دفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني لتأمين شمال إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إظهار قدرتها على الصمود في غزة حيث تشن هجمات منتظمة على القوات الإسرائيلية، وقد استعادت بلدات في غضون “15 دقيقة” من الانسحاب الإسرائيلي كما اعترف جنرال إسرائيلي سابق مؤخرا. وذلك يؤكد قوة المجموعة الدائمة وحدود المكاسب التكتيكية التي حققتها إسرائيل في تأمين السيطرة الدائمة.

خلق أفق سياسي

ونبه سينا توسي إلى أن السياق الإقليمي الأوسع يعمل على تعقيد أهداف إسرائيل بشكل أكبر، خاصة أن إيران -اللاعب المركزي في ما يسمى “محور المقاومة”- أثبتت مرة أخرى قدرتها على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة بضربة صاروخية أحدثت أضرارا جسيمة، مما يؤكد التكاليف الباهظة المترتبة على الصراع الشامل مع إيران.

وتسعى طهران -حسب الكاتب- إلى إقامة توازن ردع جديد، وهو ما ستحققه إذا امتنعت إسرائيل عن شن هجوم انتقامي كبير عليها في المستقبل القريب. ولكن حتى لو تم التوصل إلى هذا التوازن، فسيكون مؤقتا وغير مستقر إلى حد كبير ما بقي القتال مستمرا في غزة ولبنان.

نهج بديل

ولضمان مكاسب إستراتيجية طويلة الأجل وأمن دائم، يتعين على إسرائيل -حسب الكاتب- أن تفكر في نهج بديل يتجاوز القوة العسكرية، مثل إنهاء الحرب على غزة الذي أشار حزب الله والحوثيون اليمنيون إلى أنه سيوقف هجماتهم، وقد يفتح الطريق أمام سلام أوسع نطاقا يمكن أن يخلق المساحة للتفاوض على حل الدولتين مع الفلسطينيين، استنادا إلى المقترحات السابقة لإقامة دولة فلسطينية مجاورة عاصمتها القدس الشرقية.

ومثل هذا الاتفاق لن يحقق تطلعات الفلسطينيين فحسب، بل سيكسب إسرائيل أيضا اعتراف العالم العربي الأوسع، وهو ما من شأنه أن يغير الديناميكية الإقليمية بشكل جذري، وينزع سلاح إيران عن استخدام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كرافعة لزيادة نفوذها الإقليمي.

وكما أكد أيالون، فإن مفتاح السلام الدائم يكمن في تزويد الفلسطينيين بأفق سياسي (…) والطريقة الوحيدة لهزيمة حماس هي خلق هذا الأفق، لأنه عندما لا يكون هناك أفق فسوف يثور الفلسطينيون كما فعلوا أثناء الانتفاضة الثانية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version