واشنطن- خلال العام الأخير، عرفت “سي إن إن” -التي تأسست عام 1980- تحديات كبرى أطاحت بريادتها بين شبكات الأخبار الأميركية، لتحتل المركز الثالث من حيث نسب المشاهدة، خلف “فوكس” و”إم إس إن بي سي”.

وتعرضت “سي إن إن” لعدة هزات عقب إقالة مذيعين مشهورين مثل كريس كومو ودون ليمون، وإغلاق خدمة البث “سي إن إن بلاس” بعد شهر واحد فقط من انطلاقها، إضافة لغضب واسع في صفوف صحافييها نتيجة سياسة تحريرية مرتبكة.

وتبث “سي إن إن” الأخبار على مدار 24 ساعة يومياً، من مركزها الرئيسي في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، ويعمل بها ما يقرب من 5 آلاف و400 شخص، ويعتبر موقعها الإلكتروني أحد أكثر المواقع الإخبارية قراءة في العالم.

وفي إطار البحث عن مخرج من أزمة معقدة لم يسبق أن عرفتها “سي إن إن” إحدى أقدم الشبكات الإخبارية الأميركية، عينت الشبكة الصحفي ورجل الأعمال مارك تومسون رئيساً جديداً لها، في سعي مزدوج لمعالجة الأزمات الداخلية التي تعصف بها من ناحية، ومواكبة التقدم السريع في طرق تقديم المواد الإخبارية من ناحية أخرى.

شغل تومسون في وقت سابق منصب الرئيس والمدير التنفيذي لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، والمدير العام لشبكة “بي بي سي” البريطانية.

ويأتي تعيين تومسون قبل أكثر من عام على الانتخابات الرئاسية لعام 2024، والتي تعد حدثاً محورياً تنتظره جميع القنوات الإخبارية، إذ تزداد نسب المشاهدة وتتضاعف إيرادات الإعلانات.

ويحمل تومسون على عاتقه مهمة تحقيق التوازن بين أعمال التلفزيون التقليدية لـ “سي إن إن” التي تتعرض لضغوط من تراجع نسب مشاهدة شبكات الكابلات -بالرغم من أنها لا تزال مربحة للغاية- وبين رغبة الشبكة في التحول التكنولوجي الرقمي وتغيير خطط أعمالها.

أزمة القيادة

أطاحت “سي إن إن” خلال العامين الماضيين بمديرها السابق جيف زوكر، بعد محاولته إخفاء علاقة جنسية بينه وبين مسؤولة كبيرة بالشبكة.

وخلفه في منصبه كريس ليخت، الذي أقيل الشهر الماضي بعد ارتكابه سقطات وأخطاء تسببت بضربات قاسية هزت مصداقية الشبكة، وأثرت على نسب مشاهديها، إذ طرد ليخت خلال فترة إدارته الإعلامي بريان ستيلتر، وألغى برنامجه المتخصص بالنقد الإعلامي، رغم أنه كان أطول البرامج عرضا على شاشة “سي إن إن”.

كما ابتعدت غرفة أخبار “سي إن إن” خلال فترة إدارة ليخت عن الحيادية في تغطيتها للسياسة الداخلية الأميركية، وحاولت تحقيق توازن صعب بعرض وتقديم وجهات نظر تمثل التوجه المحافظ والجمهوري بصورة أكبر في برامج الشبكة. إلا أن استضافة الرئيس السابق دونالد ترامب على مدار ساعتين من الحديث المفتوح “Town Hall Meeting” مع المذيعة الشابة كاتلن كولينز -وسط حضور المئات من أنصاره- أظهر الشبكة وكأنها تحابي ترامب.

ولم يتردد ترامب -خلال البرنامج- في الهجوم على مذيعة البرنامج ووصفها بكلمات نابية، كما اتهم الكثير من صحافيي الشبكة وكبار مسؤوليها بمنح الرئيس السابق فرصة نادرة لتوجيه سهامه والترويج لنفسه أمام مشاهدي “سي إن إن”.

المشاهدون والأرباح

أشارت تقارير نسب مشاهدة البرامج الإخبارية على شبكات الكابل -خلال 30 شهراً الأخيرة- إلى استمرار تقدم “فوكس” على كل من الشبكات المنافسة (“سي إن إن”، “إم إس إن بي سي”) أوقات الذروة المسائية، وفي إجمالي عدد المشاهدين يوميا.

وبلغ متوسط عدد مشاهدي “فوكس نيوز” 1.2 مليون يومياً خلال أغسطس/آب الماضي، مقارنة بـ 952 ألفا لـ “إم إس إن بي سي”، و545 ألفا فقط لـ “سي إن إن”.

وفي الذروة المسائية (بين الساعة 8 و11) بلغ متوسط عدد مشاهدي “فوكس” مليوني مشاهد، مقارنة بـ 1.5 مليون لـ “إم إس إن بي سي” بينما استقرت “سي إن إن” عند رقم 723 ألف مشاهد فقط.

وخلال أغسطس/آب الماضي، جذبت شبكة الأخبار المحافظة “نيوزماكس” أعداد مشاهدين أكثر مما جذبته “سي إن إن” عدة مرات، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في وقت سابق.

ويرتبط انخفاض أعداد مشاهدي “سي إن إن” بظاهرة عامة تتعلق بعدم مشاهدة صغار السن للبرامج الإخبارية بصفة عامة، وتفضيلهم الحصول على الأخبار عن طريق تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي الواسع الذي تشهده السياسة الأميركية، والذي انتقل إلى وسائل الاعلام.

من ناحية أخرى، حققت “سي إن إن” أرباحاً تخطت حاجز المليار دولار السنوات الأخيرة، حيث وصلت عام 2021 إلى 1.25 مليار دولار، لكنها تراجعت العام الماضي محققة أرباحا بلغت 750 مليونا فقط، بانخفاض قدره 500 مليون عن العام السابق.

ورغم ارتفاع عوائد الإعلانات، فإن قادة الشبكة السابقين أهدروا ملايين الدولارات على مبادرات وبرامج لم تر النور، وتمثلت أحد أكبر الأخطاء خلال قيادة ليخت بالفشل في إعادة تقديم البرنامج الصباحي للشبكة، بعدما كان يمثل المدخل الطبيعي لنجاحه، رغم خبرته السابقة والناجحة بالبرامج الصباحية، مثل برنامج “مورنينغ جو” على شبكة “إم إس إن بي سي”، وبرنامج “إورلي شو” على شبكة “سي بي إس”.

كما شهد البرنامج الصباحي على “سي إن إن” فضيحة مدوية، أدت إلى فصل المذيع دون ليمون، بعدما ادعى أن المرشحة الجمهورية لانتخابات الرئاسة نيكي هالي “ليست في أوج عطائها كامرأة”.

تحدي ترامب

لا يزال التحدي الأكبر أمام “سي إن إن” يتمثل في عودة ترامب إلى ساحة المعركة السياسية قبل اقتراع 2024، وبدء إجراءات محاكمته في 4 قضايا منفصلة، وتبعات ذلك على الشبكة، حيث يمكن اعتبارها فرصة نادرة لإصلاح الاختلالات الواسعة التي عرفتها الشبكة العامين الماضيين.

وقد يدفع عداء ترامب لـ “سي إن إن” إلى زيادة نسب مشاهدتها، ورفع إيرادات الإعلانات. ولكن ربما تؤثر تغطية الأنباء والأحداث المتعلقة بترامب سلبا على مصداقية الشبكة وتضعفها، خاصة إذا استمرت في المنحى العدائي المباشر ضد الرئيس السابق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version