غزة- شَعر أبو جمال صالح بالجزع حينما رأى جاره الطبيب ناصر حمودة برفقة ابنه الشاب أحمد، يخرجان من المنزل بحثا عن بعض الماء، فهذه المجازفة قد تؤدي إلى الموت برصاص قناصة قوات الاحتلال الإسرائيلية التي تجتاح وتحاصر مناطق شمال قطاع غزة.

لكنّ صالح الذي كان يراقب المشهد من نافذة المنزل، كان يدرك أن الطبيب حمودة قد اتخذ قراره بعد أن فاضل بين أمرين: إما أن يموت أطفاله عطشا، وإما أن يخاطر بنفسه.

وسرعان ما وقع ما كان يخشاه صالح، فقنّاصة الاحتلال الإسرائيلي الذين يتربصون بالمواطنين الفلسطينيين العُزل كانوا لهما بالمرصاد، فأطلقوا عليهما النار وأردوهما شهيدين على الفور.

ويقول صالح في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت “جثة الطبيب حمودة البالغ من العمر (52 عاما) وابنه أحمد (22 عاما) ملقاة في الشارع منذ الأربعاء الماضي، والكلاب والقطط تنهش فيهما، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء”.

ويسكن صالح في “شارع عبد ربه” المشهور باسم “مزايا” في بلدة جباليا (جباليا البلد) المجاورة للمخيم الذي يحمل نفس اسمها، وتحاصرهم قوات الاحتلال منذ 15 يوما برفقة عشرات العائلات.

وتشن إسرائيل منذ أسبوعين عدوانا همجيا على شمال قطاع غزة أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وهدم مساحات كبيرة من المباني والبنى التحتية.

ووجد الآلاف من الفلسطينيين، وخاصة في مخيم وبلدة جباليا، أنفسهم محاصرين داخل منازلهم، دون طعام أو شراب، أو قدرة على التحرك.

حصار قاتل

بحسب صالح، فإن الطائرات المسيّرة صغيرة الحجم المعروفة باسم “كواد كابتر” تجوب الشوارع والأزقة وتدخل المنازل عبر النوافذ، وتطلق النار على المواطنين، وتقتلهم عمدا.

كما تمنع قوات الاحتلال المواطنين المحاصرين من النزوح من منازلهم نحو مناطق آمنة، وتقتل من يجرؤ على مغادرة المنزل، أو حتى النظر من النوافذ. وفي الوقت ذاته، لا تسمح للمواطنين بالتزود بالماء والطعام.

ويضيف أبو جمال صالح “أطفالنا قد يفارقون الحياة في أي لحظة، منذ 4 أيام لم يأكلوا أو يشربوا، الآن هم في حالة إعياء شديدة وملقون على الأرض”.

وفي منزل هذا الرجل يوجد 20 طفلا، و4 سيدات، و4 رجال. ويقول “كنا في السابق نشرب مياه وسخة، ونأكل من القمامة، لكننا الآن لا نجد شيئا، آخر وجبة أكلناها كانت قبل 4 أيام وهي خبز ناشف”.

وناشد صالح “كافة الدول العربية والأمم المتحدة والصليب الأحمر وكل المؤسسات الإنسانية بالعمل على إنقاذهم وإنقاذ أطفالهم”.

“أتحدث وأنا مرعوب”

يمتلك صالح بطارية لشحن هاتفه الجوال، ويتحدث منه بشكل مقنن كي يبقى على تواصل مع العالم الخارجي. ويقول لمراسل الجزيرة نت “أتحدث معك وأنا مرعوب، نحن محاصرون وننتظر الموت، نخاف أن يدخلوا علينا (جنود الاحتلال) في أي لحظة ويقتلونا”.

ويتابع “لا أكل ولا شرب، أقسم بالله شربنا الماء الوسخ، لكن الآن لا نجده، في الشهور الماضية أكلنا أكل الدواب لكن (في هذا العدوان) أخرجنا الطعام من القمامة وأكلناه وحتى القمامة لا نجدها الآن”.

شهداء في الشوارع

ويؤكد صالح أن هناك العشرات من جثامين الشهداء ملقاة في الشوارع، وتمنع قوات الاحتلال انتشالهم. ويوضح “هناك شهداء ملقون في الشوارع، لا أستطيع النظر من الشبابيك لكن أقدّر أن في منطقتنا حوالي 40 شهيدا”.

ويضيف “أي شخص يحاول الخروج من المنزل يتم إعدامه من القناصة والطائرات (المسيّرة)”. ومن بين الشهداء الذين سقطوا في الطرقات، أحد أقاربه، ويدعى مهند محمد صالح، موضحا “قتلوه إعدام بالطائرة (المسيّرة)”.

كما أشار إلى الآليات التي يتم تحريكها عن بُعد، وتستخدمها قوات الاحتلال في تفجير المنازل، ويبيّن في هذا الصدد “هناك سيارات تدخل داخل المنازل ويتحكمون فيها بالريموت (كونترول)، أنا رأيتها وصلت منزلنا ثم رجعت، وهي تلقي قنابل صغيرة”.

على وشك الموت

تتدخل آمنة، شقيقة أبو جمال صالح في الحديث، لتكرر مناشدته “للجميع” بالتحرك لإنقاذهم. وتضيف لمراسل الجزيرة نت “تعبنا يا أخي، تعبنا، مش قادرين، أنقذونا الحقونا، لدينا 20 طفلا، مش قادرين نطعمهم أو نسقيهم، منظرهم يقطع القلب، نتوسل لكم أن تنقذونا وتنقذوا أطفالنا”.

وتشير إلى أن الأطفال يعيشون حالة إعياء شديدة بسبب قلة الطعام والشراب، محذرة أنهم قد يفارقون الحياة في أي لحظة.

ولفتت الشقيقة إلى وجود طفلين لديهم يعانون من وضع خطير وهما “معتصم” (12 عاما)، وأخوه عليان (7 أعوام)، مستدركة “كل الأطفال وضعهم صعب”.

وأردفت “إذا بقينا هنا في المنزل سنموت عطشا وجوعا، وإذا خرجنا نبحث عن طعام أو شراب يقتلوننا بالرصاص والمدفعية مثلما حدث مع الدكتور (جارنا) ناصر حمودة، نتوسل إليكم قدموا لنا أي مساعدة”.

إعدام طفلة

وكشفت آمنة صالح عن جريمة إعدام قوات الاحتلال لطفلة من جيرانها، من عائلة شعبان. وقالت في شهادتها حول الحادث “هناك صبية من عائلة شعبان لا أعرف اسمها، عمرها 16 عاما، وهي معاقة وقفت على شباك منزلها قبل 6 أيام تقريبا، ونادت وطلبت ماء وطعاما، فأطلقوا عليها النار وسقطت من الشباك على الأرض، فجاءت الجرافة (الإسرائيلية) وأهالت عليها التراب ودفنتها”.

وتضيف “البنت اعتقدت أنهم سيرأفون بها كونها معاقة، وتجرأت أن تقف على الشباك لكنهم قتلوها ودفنوها بالجرافة”. وذكرت أن شقيق الطفلة واسمه “أسامة شعبان”، ويبلغ من العمر (22 عاما) أُصيب أيضا برصاص قوات الاحتلال.

ولا تعد المحنة الحالية، الأولى للسيدة آمنة صالح، حيث تذكر أن قوات الاحتلال قتلت خلال الحرب ابنها وابنتها وزوج ابنتها وأطفالها، وتختم حديثها قائلة “قتلوهم أمامي ولم أستطع أن أفعل لهم شيئا”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version