مقديشو- بعد مرور 9 أعوام على ظهور تنظيم الدولة في الصومال، ومبايعته عبد القادر مؤمن -المنشق عن حركة الشباب المجاهدين– زعيما له عام 2015، عاد النفوذ العسكري لتنظيم” الدولة” في الصومال إلى الواجهة من جديد، ليشكل تهديدا محتملا يزعزع أمن المنطقة.

يأتي ذلك في ظل تحذيرات محلية وإقليمية بشأن إمكانية أن ينفّذ عناصر التنظيم هجمات أمنية، رغم أنه لا يصل لخطورة حركة الشباب الموالية للقاعدة وتهديداتها الأمنية في المنطقة.

ودقت مجموعة الأزمات الدولية ناقوس الخطر في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول الماضي حول تمكن تنظيم الدولة فرع الصومال من إعادة تشكله بعد أن حقق مكاسب ميدانية في جبال شمال شرق الصومال بولاية بونتلاند المحلية، مما قد يساهم في تمدده وتعزيز نفوذه العسكري الذي قد يشكل تهديدا لأمن الصومال وجواره، لا سيما بعد أن حقق تقدما عسكريا أمام مقاتلي حركة الشباب.

فقد تمكن التنظيم من دحر نفوذ مسلحي الحركة والسيطرة على جبال علي مسكاد معقل الحركة التي واجهت ضغطا عسكريا في وسط البلاد بعد الحملة العسكرية الحكومية خلال العامين الماضيين.

ويثير هذا التطور العسكري والميداني لتنظيم الدولة في الصومال أسئلة عدة حول المخاوف المحتملة من إمكانية أن ينفّذ التنظيم هجمات في ولاية بونتلاند والمناطق القريبة من معاقله في شمال شرق الولاية.

ما أسباب عودة ظهور تنظيم الدولة إلى الواجهة؟

يقول آدم بديع المحلل الإستراتيجي ورئيس معهد مساف للدراسات الإستراتيجية في حديث للجزيرة نت، إن تراجع العمليات العسكرية المحلية والدولية ضد تنظيم الدولة في الصومال كان العامل الأساسي الذي مكّن التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه في مناطق سلسلة جبال علي مسكاد الممتدة من الشرق إلى الشمال في الصومال.

وأوضح آدم أن تمركز التنظيم في المناطق الجبلية الوعرة ساعد في الاستفادة من موارده واستقطاب الجماعات الإرهابية العالمية، بالإضافة إلى تمكينه من تنفيذ عمليات التمويه، والاختباء، وإنشاء معسكرات تدريب عسكرية، مما منحه القدرة على تنفيذ هجمات ضد المراكز العسكرية والحضرية في ولاية بونتلاند.

وأشار المحلل إلى أن نشاط التنظيم لا يزال محدودا في بونتلاند أو الصومال عموما، لكن هناك دلائل على إمكانية أن يشكل تهديدا أمنيا في المستقبل القريب نظرا للعوامل الإقليمية، بما في ذلك الاضطرابات الأمنية -في دول الجوار مثل إثيوبيا واليمن- التي تُوفر بيئة إقليمية ملائمة له، إلى جانب استخدامه التوظيف الدعائي واستقطاب المقاتلين الأجانب، مما ساهم في العودة إلى الساحة مجددا.

ما العوامل التي ساهمت في التفوق العسكري للتنظيم ضد حركة الشباب؟

التفوق العسكري لتنظيم الدولة في الصومال لم يكن مفاجئا وفق كثيرين، بل نتيجة صراع دام 8 سنوات مع مقاتلي حركة الشباب للسيطرة على منطقة جبال علي مسكاد ذات الأهمية الإستراتيجية.

ووفقا لبديع، فإن العامل القبلي كان من أبرز العوامل التي ساعدت التنظيم على التفوق، حيث تنتمي عشيرة زعيمه عبد القادر مؤمن إلى المنطقة المسيطر عليها، مما يسهل استقطاب مقاتلين جدد متمرسين في المعارك الجبلية، الأمر الذي غيّر موازين المعركة لصالح “الدولة” في الصومال.

ويرى المحلل الإستراتيجي أن تراجع نفوذ حركة الشباب، بسبب الضغوط العسكرية الحكومية في الأقاليم الجنوبية، دفعها إلى سحب مقاتليها من المناطق الجبلية في بونتلاند لتعزيز جبهاتها ضد القوات الحكومية.

وهذا الانسحاب أتاح لتنظيم الدولة، وفق بديع، فرصة التحرك من موقع الدفاع إلى الهجوم، ما مكّنه من السيطرة على سلسلة جبال علي مسكاد بعد معارك قتل فيها 50 من مقاتلي الشباب في أبريل/نيسان الماضي.

كما ساهم استقطاب مقاتلين من تنظيم الدولة في العراق والشام، وصلوا إلى الصومال عبر تهريبهم من اليمن، في تعزيز كفاءة المقاتلين وتطوير قدرات التنظيم العسكرية، يضيف بديع.

مقتل 9 أشخاص وإصابـة 7 آخريـن فـي انفجار سيارة تابعة للأمم المتحدة في بونت لاند شمال شرقي الصومال

هل يتمدد تنظيم الدولة ليتحول إلى ولاية في القرن الأفريقي؟

احتمالية تحول تنظيم الدولة في الصومال إلى تنظيم إقليمي عابر للحدود واردة، إذ يُعد من أكثر فروع التنظيم نشاطا، خصوصا في تحصيل الإيرادات المالية، متفوقا على حركة الشباب في ولاية بونتلاند.

ويُتيح ذلك له دعم نفسه ماديا بل وتحقيق إيرادات صافية تُحوَّل لصالح الجماعات الأخرى المنتسبة للتنظيم من خلال مكتب “الكرار” المالي، المسؤول عن تحويل الأموال من التنظيم المركزي إلى الأفرع، وفقا للباحث الأمني في المعهد العالي للدراسات الأمنية في الصومال، محمد شيخ إبراهيم.

ويضيف الباحث أن مساعي تنظيم الدولة للتحول إلى تنظيم إقليمي تواجه عدة تحديات، منها التنافس مع حركة الشباب في المناطق الجبلية ببونتلاند التي تسعى لوقف توسع التنظيم، ووجود عدد كبير من المقاتلين الأجانب داخل صفوف تنظيم الدولة، مما قد يؤدي إلى نفور السكان المحليين ويضعف قاعدته الشعبية، كما يُشكل الضغط الأمني والعسكري الدولي عاملا إضافيا يحد من طموحات التنظيم.

هل يشكل تنظيم الدولة خطرا على أمن الصومال ودول الجوار؟

يقول الضابط المتقاعد والمحلل العسكري شريف ربو للجزيرة نت إن تنظيم الدولة في الصومال يشكل خطرا على أمن البلاد من خلال تبني خطة لتوسيع هجماته الإرهابية في ولاية بونتلاند ومناطق أخرى، مستغلا الروح المعنوية العالية لمقاتليه بعد تحقيق مكاسب ميدانية في المناطق الجبلية شرقي البلاد على حساب حركة الشباب.

وأضاف أن الصراع مع حركة الشباب في جبال علي مسكاد كان أكبر عائق أمام التنظيم لتنفيذ عملياته، لكنه يطمح حاليا إلى تنفيذ مزيد من الهجمات، مقارنة بالعام الماضي الذي شهد عمليات محدودة للتنظيم.

ورغم المخاوف الدولية من خطورة عمليات التنظيم، فإن السلطات المحلية والفدرالية تقلل من احتمالية أن يشكل تهديدا كبيرا على أمن البلاد، نظرا لقلة عدد مقاتليه ومحدودية انتشاره، وفق تصريحات حسين معلم، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي، لإذاعة صوت أميركا القسم الصومالي.

ما مستقبل الصراع بين مقاتلي الشباب وتنظيم الدولة؟

يقول ربو إن الصراع بين تنظيم الدولة فرع الصومال ومقاتلي حركة الشباب يعود إلى التنافس على الموارد والنفوذ والمقاتلين. ورغم هيمنة حركة الشباب على المشهد الجهادي في الصومال من حيث المقاتلون والموارد والدعم الشعبي، فإن طبيعة الحرب غير المباشرة التي يعتمدها الطرفان تجعل الصراع مرشحا للاستمرار لفترة طويلة.

وأضاف أن الضغوط العسكرية الحكومية التي تواجهها حركة الشباب في الجنوب تؤثر على قدرتها على خوض مواجهات مباشرة مع تنظيم الدولة في المناطق الجبلية ببونتلاند. وهذا الوضع يؤدي إلى تقارب التوازن العسكري بين الطرفين في تلك المناطق، مما يطيل أمد الصراع.

وأشار الضابط المتقاعد إلى أن العامل الحاسم في مستقبل هذا الصراع يعتمد على مدى استمرار الضغوط العسكرية الدولية والتنسيق الأمني المشترك بين الحكومة المركزية والولايات الفدرالية في العمليات العسكرية البرية، ما قد يضعف الطرفين ويتيح الفرصة لأحدهما للانقضاض على الآخر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version